إميل أمين
كاتب مصري
TT

الصواريخ الإيرانية والمدن الأميركية

هل كان العالم في حاجة إلى تقرير الأمم المتحدة الذي قدمه الأمين العام أنطونيو غوتيريش إلى مجلس الأمن، وفيه تأكيد جازم وحازم بأن صواريخ كروز التي هوجمت بها منشآت «أرامكو» النفطية ومطار دولي في المملكة العربية السعودية العام الفائت أصلها إيراني؟
حكماً، لم يكن هناك أدنى شك عند أي عاقل حول علاقة إيران بتلك الصواريخ من منطلقين رئيسيين؛ الأول أنه ما من أحد يملك تلك النوعيات من الصواريخ الباليستية ويعمل على تطويرها سراً وجهراً سوى طهران، ومن جانب آخر لا أحد في الإقليم برمته له تاريخ سابق من الإرهاب الأممي الذي يحمل ضغائن للمملكة سوى إيران.
مهما يكن من أمر فقد ألقى غوتيريش الكرة في ملعب مجلس الأمن، الذي لن يفعل شيئاً لإيران المحتمية بالغطاءين الروسي والصيني، في مكايدة المقصود بها واشنطن، واستباقاً لشهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، حيث موعد تمديد الحظر الأميركي على الأسلحة المفروض على طهران، وإن كان التقرير الأممي يعطي في كل الأحوال المملكة الحق في الرد بالشكل الذي تراه، وقد نجحت الدبلوماسية السعودية في إظهار الحقيقة على الملأ، وتبيان إرهاب إيران الطائر، المستمر والمستقر بالمباشرة تارة وبالوكالة تارات أخر، وعلى غير المصدق مساءلة صواريخ الحوثي قبل بضعة أيام.
حين يتحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مشيراً إلى أنَّ إيران هي الدولة الإرهابية الأكثر خطورة حول العالم، فإن الرجل لا يغالي في وصفه، لا سيما في ضوء ما يتكشف يوماً تلو الآخر من خطط إيرانية إقليمية ودولية لإثارة القلاقل وصولاً إلى سيناريوهات المواجهات الشاملة، وقد كانت المناورات الإيرانية الأخيرة تشي بما في قلب الملالي، ومشهد حاملة الطائرات الخشبية القريبة من السواحل الإيرانية، تعني تهيئة الأجواء للمعركة الحتمية مع العم سام.
لم تعد صواريخ إيران أمراً مهدداً للخليج العربي والشرق الأوسط فقط؛ إذ باتت بعملية حسابية بسيطة خطراً محدقاً بالكثير من دول أوروبا، والتي لا تزال تتماهى مع الموقف الإيراني، ولا تريد تسجيل موقف قاطع ونهائي، وإن كانت عما قريب ستجد نفسها في مجلس الأمن إما بجوار واشنطن، وهو ما سيحدث غالباً، أو في صف الصين وروسيا، الأمر المستبعد بشكل كبير.
هل من مفاجأة في قصة الصواريخ الإيرانية أبعد من مجرد تهديداتها التقليدية؟
يبدو أن ذلك كذلك لا سيما بعد التحذيرات التي أطلقتها الكاتبة سارة ستيرن، مؤسسة ورئيسة مركز تقصي الحقائق في الشرق الأوسط، والتي لفتت فيها الأنظار إلى أن إيران تستغل الفوضى التي تضرب الولايات المتحدة جراء تفشي وباء فيروس «كوفيد – 19» من جهة، والاضطرابات العرقية التي حدثت الأسبوعين الماضيين من جهة ثانية، وربما تتوقع أن يزداد تفشي الوباء أو تحدث موجة ثانية منه، وفي حين أميركا مقبلة على انتخابات رئاسية شقاقية غير مسبوقة غالباً في التاريخ الأميركي المعاصر.
في وسط هذه الجلبة، ربما تسعى طهران إلى نقل صواريخ باليستية إلى الخلفية الجغرافية التقليدية للولايات المتحدة، أي دول أميركا اللاتينية.
هل نحن أمام سيناريو كوبا في ستينات القرن الماضي؟
قطعاً لا تمتلك إيران النفوذ السوفياتي الذي كان، ولا الصواريخ النووية التي امتلكتها موسكو وقتها، غير أنه في كل الأحوال وفي ضوء علاقاتها مع فنزويلا تحديداً والتي تتخذ واشنطن من رئيسها ونظامه موقفاً رافضاً، يمكن للمرء أن يقبل فكرة استخدام سفن النفط التي رست هناك مؤخراً في تهريب أسلحة صاروخية باليستية تطال المدن الأميركية، لا سيما الحدودية منها مع المكسيك بنوع خاص.
خلال اتصال هاتفي أخير بين الرئيس الإيراني حسن روحاني مع أمير قطر، أشار الأول إلى أنه في حال تعرض السفن الإيرانية في الكاريبي إلى مشكلة، سيكون الأميركيون في مشكلة أيضاً.
ليس سراً أن بعض الصواريخ الإيرانية يصل مداها إلى 2500 كيلومتر؛ ما يجعل مدناً أميركية في مرماها، ومع الأخذ في الحسبان حضور «حزب الله»، الوكيل الإيراني، في أميركا اللاتينية منذ وقت بعيد، يضحى التهديد مزعجاً لواشنطن بالفعل.
السؤال الجوهري: هل سيطول الصبر الاستراتيجي الأميركي على إيران؟