مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

الهجرة إلى بريطانيا.. مشكلة بلا حلول

ألقى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، مؤخرا، خطابا جيدا حول قضية الهجرة، لكنه جاء متأخرا للغاية واعتمد على سوء فهم أساسي لكيفية عمل القارة الأوروبية.
أما نعتنا للخطاب بالـ«جيد» فيعود لمحاولة كاميرون من خلاله طرح حجة مقنعة لصالح الإبقاء على المملكة المتحدة مفتوحة أمام المهاجرين، بل وطلب من البريطانيين الاعتراف بأن جاذبية بلادهم للمهاجرين تعد بصورة أساسية انعكاسا لنجاحها في خلق وظائف غالبا ما يفتقد البريطانيون الأصليون المهارات أو الرغبة في تقلدها.
كما أن الخطاب جيد لأنه كان من الممكن أن يأتي أسوأ من ذلك بكثير، خاصة أن كاميرون اقترب للغاية خلال الأسابيع الماضية من طرح اقتراح بفرض حد أقصى على أعداد مواطني الاتحاد الأوروبي الذين بمقدورهم العيش والعمل داخل بريطانيا، ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للتحذير من أنها تفضل انسحاب المملكة المتحدة من التكتل الأوروبي عن تقويض أبرز سمات الاتحاد. والمؤكد أن إطلاق كاميرون وعدا بتناول مسألة هذه القيود مع باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي كان سيضع المملكة المتحدة على بداية الطريق المباشر نحو مغادرة الاتحاد الأوروبي.
من جانبي، كنت أتمنى أن يستفيض كاميرون أكثر في خطابه بالإشارة إلى أن المهاجرين يسهمون في الاقتصاد والخزانة العامة، لكن ذلك كان سيعد بمثابة اعتراف منه بأنه عندما يجد البريطانيون مدرستهم أو مستشفاهم المحلي مزدحما للغاية، فإن هذا يعود لتقصير حكومته، ذلك أن المهاجرين يسهمون بأكثر مما يكفي من ضرائب لتلبية الاحتياجات الإضافية، لكن المشكلة أن أعمال التوسع اللازمة لا تتم.
من جهته، يراهن كاميرون على أن باستطاعته التخفيف من حدة المشاعر المناهضة للهجرة عبر سلسلة من الإصلاحات الرامية للحد مما يعرف بسياحة الإعانات، التي يرى السياسيون والصحف الشعبوية أنها سمحت بتدفق المهاجرين على المملكة المتحدة لرغبتهم في التمتع بالإعانات الحكومية.
إلا أن التركيز على نظام الإعانات قد يسهم في تحويل الأنظار بعيدا عن الهدف العددي الساذج الذي ألزم نفسه به والمتعلق بتقليص الصافي السنوي لأعداد المهاجرين إلى أقل من 100 ألف شخص بحلول عام 2015. بدلا من ذلك، ارتفع إجمالي المهاجرين منذ إطلاقه هذا التعهد، ليصل إلى 260 ألفا خلال العام المؤدي إلى يونيو (حزيران)، تبعا لما كشفته الأرقام الصادرة هذا الأسبوع. من جهته، سارع حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض لأوروبا باستغلال هذا الإخفاق للادعاء بأن السبيل الوحيدة للسيطرة على الهجرة هو انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
بيد أنه في واقع الأمر لا تعد الإعانات التي تقدمها المملكة المتحدة سخية قياسا بالمعايير الأوروبية، لكن الأمر الاستثنائي هو أن الكثير منها لا يستلزم أن يكون من يتلقاها سبق له العمل ودفع أموالا بالخزانة البريطانية ـ لذا فإنه يحق للمهاجرين المطالبة بالحصول على دعم الدولة منذ اليوم الأول لوصولهم.
في خطابه، اقترح كاميرون إقرار إرجاء لمدة 4 سنوات قبل أن يصبح بإمكان المهاجرين المطالبة بالحصول على إعانات رفاه ومسكن لأصحاب الدخول المنخفضة. في الواقع، كل ما سبق أفكار معقولة كان ينبغي السعي لتطبيقها منذ أمد بعيد. ولدى الضغط عليه، اعترف كاميرون بأنه كان يتمنى لو أنه ألقى هذا الخطاب في وقت مبكر عن ذلك.
بيد أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن فكرة سياحة الإعانات خرافة في معظمها، ذلك أن المهاجرين الوافدين من الاتحاد الأوروبي أقل احتمالا بكثير لأن يطلبوا دعم الدولة عن نظرائهم من أبناء البلاد من البريطانيين. إذا كانت المشكلة التي يحاول كاميرون حلها هي الهجرة المفرطة من اقتصاديات الاتحاد الأوروبي التي تنمو حاليا بمعدلات أبطأ كثيرا عن اقتصاد المملكة المتحدة، فإن وقف قدوم بضعة سياح يسعون للحصول على إعانات لن يجدي نفعا.
ولا شك أن هذا هو السبب وراء اقتراح كاميرون تقييد مبدأ حرية التحرك داخل الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يستلزم موافقة الدول الأعضاء الـ27 الآخرين بالاتحاد. وعليه، فإن المهاجرين القادمين من الاتحاد الأوروبي والراغبين في دخول المملكة المتحدة للعمل، سيتعين عليهم الحصول بالفعل على عرض وظيفة، حسبما أفاد كاميرون. وإذا لم يتقلد المهاجرون وظيفة في غضون 6 أشهر من البحث عن عمل، فسيتعين عليهم مغادرة البلاد.
وانطلاقا من إدراكه أن بعض مطالبه ربما لا تلقى أذنا صاغية داخل أوروبا، قال كاميرون إن جميع الخيارات ستكون مطروحة بعد ذلك، مما يحمل تهديدا ضمنيا بقيادة المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي إذا لم يقر الأخير ما يرغبه كاميرون.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية. أيضا، هذا هو السبب وراء وعده بعقد استفتاء بحلول عام 2017 حول ما إذا كان ينبغي الرحيل عن الاتحاد الأوروبي، مع شنه هو حملة للبقاء داخل الاتحاد «بعد إصلاحه»، إلا أن التهديد بمغادرة الاتحاد الأوروبي، إلا إذا وافق قادة الاتحاد الآخرون على المطالب البريطانية، ليس سوى لعبة من المحتمل أن يخسرها كاميرون.
إن ما يحتاج إليه كاميرون بحق هو صياغة حجة مقنعة بخصوص قضية الهجرة، وإقناع قيادات مجال الأعمال بالتضامن معه، مع العمل في الوقت ذاته على بناء تحالف داخل أوروبا يدعم إجراء إصلاحات معقولة. إذا لم يحقق ذلك، فسيظل كاميرون محل هجوم من جانب خصومه، وسيظل منعزلا داخل أوروبا.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»