د. خالد منزلاوي
الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بجامعة الدول العربية
TT

«كورونا» وأهمية التعاون الدولي

أضحت البشرية كلها تواجه خطراً مشتركاً، هو جائحة «كورونا» المعروف بـ«كوفيد - 19»، الذي انتشر حول العالم في غضون أشهر قليلة، ما حدا بالدول إلى فرض قيود اجتماعية واقتصادية، بصور مختلفة، منها العزل في المنازل، والإغلاق لمراكز المال والأعمال والمنظمات، إضافة إلى أماكن الترفيه والمتنزهات، ما جعل الناس يعيشون بأسلوب مختلف عما كانوا عليه، وبأبعاد جديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية، من أجل الحفاظ على البشرية.
وفي ظل هذه الظروف الوليدة، توجب على المجتمع الدولي التفكير بشكل عقلاني ومنطقي بعيد عن التجاذبات، لمواجهة هذا الجائحة بشكل جماعي وعلى نطاق عالمي، لأنّ ما نمرّ به لا يمس دولة بعينها، وإنما يمس العالم أجمع، بسبب تأثير الجائحة الكبير على العلاقات الدولية بصفة عامة، وبشقّها الاقتصادي بصفة خاصة، وما نجم عنها من آثار بسبب إغلاق المصانع وتسريح العمال وإفلاس الشركات، إضافة إلى إنهاك الأنظمة الصحية في الدول الأقل نمواً.
هناك بعض الدول تعاملت مع هذه الأزمة كمشكلة داخلية، مع ازدياد الخطابات الشعوبية، ورمي الاتهامات وتبادلها، من دون التركيز على وضع إطار عام دولي يراعي المصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لجميع الدول والشعوب، مع روح من التعاون، ما قد يؤدي إلى التأثير على الاستقرار الدولي الذي كنّا نعيشه قبل الجائحة، وإلى عدم مراعاة النظام الدولي، المتمثل في منظومة الأمم المتحدة.
وقد لاحظ الجميع ظهور تفسيرات ونظريات وتحليلات حديثة في العلاقات الدولية وتفاعلات دولية جديدة، إضافة إلى تصاعد أدوار لبعض الدول، وتراجع أدوار لدول أخرى كبيرة. كما جرى الحديث عن أهمية مراجعة وظائف المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، وذلك من أجل جعلها منصة عالمية يتم التعامل فيها مع التحديات والأزمات المرتبطة بالجائحة، كي تقود العمل الدولي، ويتم تكثيف الجهود العالمية المشتركة لمكافحتها والتخفيف من آثارها.
وهذا الحديث عن أهمية العمل الدولي يأتي إيماناً بما لهذه المنصة العالمية من أثر إيجابي، في حال تم الالتزام بالتعاون الدولي المشترك، ودعم الدور المحوري الذي تضطلع به منظومة الأمم المتحدة في التصدي للأزمات، ومنها الجائحة الجديدة، التي تحتاج إلى توحيد الجهود والخروج بحلول للتعامل معها لمصلحة العالم ودوله وشعوبه.
وفي حال ما تم ذلك، فسوف نصل إلى مسار جديد في العمل المشترك والجماعي والمتعدد الأطراف، وذلك هو أساس المبدأ النظري للعلاقات الدولية منذ عام 1945. وهو عام نشأة الأمم المتحدة، التي نصّت ديباجتها على أن شعوب العالم سيستخدمون هذه الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها، وهو الأمر الذي تحتاجه البشرية أكثر من أي وقت مضى للتعاون على الخروج من هذه الجائحة، وسيشكل هذا المسار فرصة سانحة لإعادة النظر في التعاون الدولي القائم، ليكون أكثر استدامة وتوازناً لخدمة الشعوب كافة.
وإذا استخلصنا بعض الدروس من هذه الأزمة العالمية، فإن الجائحة ستمهد الطريق للمساهمة في بناء وضع جيوسياسي واقتصادي واجتماعي جديد، يحكمه ميثاق الأمم المتحدة، خاصة أن الخروج من هذه الأزمة قد يستغرق وقتاً، ويتطلب تكثيف التعاون ودعم الجهود المشتركة في هذا الصدد.
وهناك حقيقة، وهي أن كثيراً من أعضاء منظمة الأمم المتحدة يواجهون مصاعب اقتصادية واجتماعية وسياسية بسبب الجائحة، وذلك يشكل خطراً حقيقياً على السلام النسبي الذي شهده العالم خلال العقود القليلة الماضية، وهو الأمر الذي يمثل تهديداً على هذا السلام، لأن هذه المصاعب، وخاصة الاقتصادية منها، ستقود العالم إلى حالة من الركود، وقد يكون لا مثيل له، وأصبحت هناك حتمية للتضامن والتعاون الدوليين أكثر من أي وقت مضى لمعالجة كل الآثار.
وللتغلب على هذه الآثار، يتطلب أن يكون هناك تواصل وثيق بين الدول، من أجل تحقيق التعاون والتشاور والتفاهم والثقة المتبادلة، فالاستجابة لمثل هذه الأحداث تتطلب حكمة جماعية وتعاوناً، لأن العمل الجماعي سيمكننا من إرساء أسس صلبة لتنمية دولية قوية ومستدامة ومتوازنة، واتضحت أول صور هذا التعاون الدولي في بيان قمة العشرين الافتراضية التي عقدت برئاسة المملكة العربية السعودية؛ حيث تعهد قادة مجموعة العشرين أنهم سيشكلون جبهة عالمية موحدة لمحاربة تداعيات هذه الجائحة، وعبّرت كذلك المجموعة عن تضامنها مع المنظمات الدولية من أجل المساهمة في تبادل المعلومات والخبرات وأفضل الممارسات لمكافحة الجائحة، كما أن قادة مجموعة العشرين أكدوا أن عملية التعامل مع الجائحة تتطلب استجابة دولية قوية ومنسقة واسعة المدى، مبنية على الدلائل العلمية.
من جهة أخرى، سيكون ذلك النموذج الذي تتم من خلالها معالجة أزمة أو جائحة «كوفيد - 19» بمثابة مثال يحتذى لمعالجة كثير من المشكلات، كالمناخ والانتشار النووي وهشاشة الأمن السيبراني وتدفق اللاجئين، وكذلك لسدّ فجوات نظم الحماية الاجتماعية والصحية، وهي أمور مما لا شك فيه بها نوع من الخلاف بين الدول، لكن التعاون فيها سيكون أقوى لحلّها.
وهذا ما يتوافق مع نهج المملكة الدولي فيما يخص التعاون الدولي، ودورها في منظومة الأمم المتحدة، حيث دائماً ما تؤكد على أن المتغيرات في عالمنا المعاصر والتحديات التي نواجهها، سواء الأمنية والاقتصادية والبيئية والصحية، تفرض علينا تعزيز دور الأمم المتحدة، في جوّ من روح التعاون، وتفعيل دور المنظمة الأممية ومؤسساتها، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، كما أن المملكة تعتزّ بالتزامها الدائم بالمبادئ والأسس التي تضمنها الميثاق، وكذلك بسعيها الدؤوب نحو وضع تلك المبادئ والأسس موضع التطبيق العملي، وتؤكد دائماً حرصها على العمل الداعم لهذه المنظومة الأممية ووكالاتها المتخصصة، بوصفها تشكل إطاراً جماعياً للتعاون بين الأمم والشعوب، ومنبراً مهماً للتخاطب والتفاهم، ووسيلة فاعلة لفضّ وحلّ المنازعات وعلاج الأزمات، ومنها جائحة «كورونا» الحالية التي نعيشها، وكيف يتم التعامل معها من قبل منظمة الأمم المتحدة.