خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الحاجة للمحتاج

هناك كثير من الأمثلة تتعلق بالحاجة، مما يدل على مدى حاجة الجمهور للحاجة. والمثل القائل: «الحاجة للمحتاج» قول يقصد به أن على المرء أولاً أن يسد حاجة المحتاجين فعلاً. فمما أتذكره من حياة المدن العربية، أن كثيراً من الناس في هذه الأيام يذبحون الأضاحي، ويقدمون النذور، ثم يوزعون لحمها على أصدقائهم وجيرانهم وأقاربهم من الموسرين والمتمكنين؛ بل ويأكلون نصف الأضحية قبل أن يوزعوا شيئاً منها. وهذا طبعاً خلاف المقصود من ذبح الأضحية وتقديم الصدقات التي يفترض فيها أن تكون من حصة الفقير والمحتاج وابن السبيل.
المثل «الحاجة للمحتاج» تأنيب لمثل هؤلاء الناس، وتذكرة لهم بحقيقة أعمال الخير وما يقصد منها.
أما أصل المثل وحكايته، فيروي أستاذنا الفاضل صادق زلزلة أن رجلاً كريماً صاحب معروف وصدقات، اعتاد على توزيع الخيرات على الفقراء والمقطوعين والأرامل واليتامى. وحدث له أن خرج في سفر مع خادمه، وما برحا المدينة إلا قليلاً حتى رأى الرجل الكريم شيخاً زاهداً جالساً على جانب متوارٍ من الطريق يتعبد لله ويستغفر. وكان في حالة واضحة من الفقر وقلة الزاد وخليق الثياب. فرق له قلب المسافر الكريم، فبعث خادمه ليعود إلى المدينة ويأتي بما طاب من الطعام والثياب والشراب للزاهد الورع. وأعد له ما يكفي من النقود.
فذهب الخادم وعاد محملاً بذلك. أخذ الرجل تلك البضاعة وتقدم بها فأهداها للزاهد الفقير، بيد أن هذا أشار إليه بيديه بأن يأخذ بضاعته ويمضي بها، فليس له أي شأن بها قط.
تصور الغني الكريم أن ذلك الرجل الزاهد الفقير رفض تسلم البضاعة متصوراً أن عليه أن يدفع ثمنها، فقال له: «هذه هدية مني لك تسد بها حاجتك». فأجابه الشيخ الزاهد قائلاً: «حاجتي أنا هي الرحمة والغفران من رب العالمين فقط. أعطِ هذه الحاجيات لمن يحتاجها. فالحاجة للمحتاجين. وما أنا بواحد منهم».
وسارت كلماته «الحاجة للمحتاجين» مثلاً يروى بين الناس، وترددت بشتى الصور بين شتى الأقوام في سائر الديار.