آدم مينتر
TT

«ناسا» والحذر من فيروسات الفضاء الخارجي

من شأن الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء، المعروفة إعلامياً باسم وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية، أن تطلق خلال فصل الصيف الحالي، مركبة فضائية جديدة مصممة خصيصاً لجمع عينات التربة من سطح كوكب المريخ، ثم تخزينها، حتى يمكن إعادتها مرة أخرى إلى كوكب الأرض. ومع وصول المركبة الفضائية، بركابها، إلى الأرض في نهاية الرحلة، ووفقاً لتصريحات أحد علماء وكالة «ناسا» السابقين، فسوف يجري إخضاعهم للعزل الصحي، والتعامل معهم كما لو كانوا يحملون عدوى فيروس «إيبولا»، حتى يثبت العكس، وتتأكد سلامتهم وخلوهم من الإصابة بأي فيروسات كونية!
ولقد تسببت تلك التصريحات في إحداث ضجة إعلامية غير كبيرة، وهذا من الأمور المفهومة لدى الجميع. ففي خضم كارثة وباء كورونا السائدة في عالمنا المعاصر، لا يُعَد الشعب الأميركي مستعداً راهناً لاستيراد جائحة أخرى قادمة من الفضاء الخارجي. ولكن إن كان الشعب الأميركي على استعداد لذلك من عدمه، فإن الولايات المتحدة، فضلاً عن البلدان الأخرى المعنية باستكشاف الفضاء الخارجي، في حاجة إلى الشروع في تحديث إجراءات حماية كوكب الأرض، استعداداً لدخول عصر جديد من الرحلات الفضائية الضاربة في عمق الكون السحيق.
وعبر السنوات المقبلة، من شأن بلدان أخرى حول العالم أن تبدأ في محاكاة مبادرات وكالة «ناسا» لغزو كوكب المريخ. وهناك شغف يساور شركات الفضاء الخاصة إزاء خوض غمار تلك التجارب بإرسال الروبوتات الخاصة من تصميمها إلى الفضاء (وربما البشر في أوقات لاحقة). وتُعد إرشادات السلامة الأكثر وضوحاً من الضرورات التي لا غنى عنها في حماية كوكب الأرض، ولضمان بث مشاعر الارتياح لدى الرأي العام العالمي حيال الخطوات التالية التي تتخذها البشرية فيما يتعلق بنظامنا الشمسي الكبير.
ولا يعرف من أحد، بطبيعة الحال، ما إذا كانت هناك حياة على كوكب آخر أو في أي مكان آخر داخل الكون الفسيح. ولكن منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، كان علماء الفضاء يفكرون في شتى السبل للحيلولة دون وصول مختلف أشكال الحياة الغريبة إلينا، وتلويث كوكب الأرض (والعكس أيضاً صحيح). وفي عام 1967، نصت «معاهدة الفضاء الخارجي» على تقنين إجماع الآراء بأنه ينبغي على الدول الأعضاء في المعاهدة أن تتجنب «إحداث التغييرات المعاكسة في بيئة الأرض، الناجمة عن استقدام أو إدخال المواد الفضائية من خارج الأرض». وعندما عادت رحلة رواد الفضاء «أبوللو 11» من القمر إلى الأرض في عام 1969، جرى عزلهم في غرفة مخصصة للتطهير، لفترة بلغت 3 أسابيع كاملة، خشية من العلماء أن يكونوا قد نقلوا أي كائن من الكائنات القمرية متناهية الصغر إلى مدينة هيوستن الأميركية.
وفي السنوات اللاحقة على ذلك، خضعت إرشادات حماية كوكب الأرض إلى التحديث التدريجي المستمر. وتوصلت «لجنة أبحاث الفضاء»، وهي مجموعة بحثية عالمية، إلى صياغة بروتوكولات غير مُلزمة لأنواع مختلفة من المهام والبعثات الفضائية، وطلبت بقدر معتبر من الحكمة أن يبقى «أي كيان غير أرضي مستنسخ (متكرر)»، بمعنى أي شكل من أشكال الحياة، قيد الاحتواء، فور الهبوط ووصوله إلى الأرض. ولدى وكالة «ناسا»، يضمن «مكتب الحماية الكوكبية» الالتزام بهذه المبادئ التوجيهية، وغير ذلك من الإرشادات الأخرى، عند التخطيط لإطلاق البعثات الفضائية الجديدة.
لكن، في حين أن هذه الإرشادات كانت مرعية بصورة جيدة، وبما فيه الكفاية عندما كان تركيز وكالة «ناسا» منصباً في الغالب على حماية الكواكب الخارجية الأخرى، إلا أنه قد تبين بمرور الوقت أنها إرشادات منقوصة، أو قد عفى عليها الزمن في عصر البعثات الفضائية الجديدة والفريدة من نوعها، على غرار استجلاب عينات التربة من سطح المريخ. وفي عام 2018، خلص استعراض أجرته الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة إلى أنه «ليس هناك أساس علمي راسخ» لبعض قواعد الحماية الكوكبية المتبعة لدى وكالة «ناسا». وحتى مع استعداد وكالة الفضاء الأميركية لإطلاق مركبة المريخ الجديد في يوليو (تموز) من العام الحالي، لم تعلن وكالة «ناسا»، حتى الآن، عن سياساتها الجديدة بشأن كيفية التوزيع الآمن لأي عينات مستجلبة من المريخ بين مختلف العلماء.
وفي الوقت نفسه، تملك شركات الفضاء الخاصة، وبصورة متنامية، المزيد من التقنيات والطموح الكبير للخروج في رحلات استكشافية إلى كوكب المريخ البعيد من تلقاء ذاتها. ويقول إيلون موسك، رجل الأعمال المعروف ومؤسس شركة «سبيس إكس»، إنه تساوره الآمال في إرسال طاقم فضائي إلى كوكب المريخ بحلول عام 2024. وإذا ما نجحت شركته في الوفاء بهذا الموعد المحدد غير المحتمل، فربما تتمكن فيما بعد من تجنب الالتزام بمتطلبات الحماية الكوكبية بالكلية. وفي اللحظة الراهنة، لا تملك أي وكالة فيدرالية أميركية صلاحيات التفويض والإشراف على مثل هذه البعثات الفضائية. ومن بين المشكلات الأخرى القائمة، فإن هذه الثغرة الرقابية تضع الولايات المتحدة في وضع غير مواتٍ، من حيث عدم الامتثال لبنود معاهدة الفضاء الخارجي.
ومعالجة مثل هذه المسائل هي من المهمات اللازمة، وليس لأجل تفادي وصول سلاسة أندروميدا الواقعية إلى كوكب الأرض. فمن إحدى الجهات، من شأن الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة راهناً أن تعتمدها «لجنة أبحاث الفضاء»، ومن ثم تندرج تحت فئة المعايير العالمية غير المُلزمة، التي يتعين عليها ضمان الأمن التام لعصر غزو الفضاء الجديد. وفي الأثناء ذاتها، فإن الرأي العام العالمي الملتاع للغاية بسبب كارثة وباء كورونا الحالية من المرجح له اتخاذ أعلى تدابير الحيطة والحذر من أي بعثات فضائية خارجية من التي تستلزم فرض استراتيجيات العزل والاحتواء من مستوى وباء «إيبولا». فإذا كانت وكالة «ناسا»، وغيرها من وكالات ارتياد الفضاء الخارجي، ترغب في طمأنة الناس بأنه لا داعي للقلق بشأن النسخة المريخية من وباء «إيبولا» مثلاً، فإن هذه الوكالات يلزمها البرهنة على أن جهود ومعايير الأمن والسلامة المرعية لديهم صلبة وراسخة كمثل رسوخ تصميماتهم الهندسية سواء بسواء.
وينبغي على وكالة «ناسا»، من حيث البداية، العمل على إعادة تقييم تدابير الحماية الكوكبية لديها في ضوء المستجدات والتطورات التقنية الحديثة، مع التأكد من أنها تسد أي ثغرات قد تنشأ مع مرور الوقت. كما يلزمها أيضاً إنشاء منتدى دائم لتبادل الآراء مخصص لتحديث تلك المعايير والسياسات، وفق ما تقتضيه الظروف. ويعد فرض متطلبات الأمن والسلامة المُلزمة على الشركات الفضائية الخاصة من أصعب المسائل التي سوف تستلزم في نهاية المطاف التدخل من جانب الكونغرس الأميركي. لكن في غضون ذلك، ينبغي على وكالة «ناسا» الربط بين الامتثال إلى تدابير الحماية الكوكبية مع وبين القواعد المؤهلة للحصول على التعاقدات الفيدرالية ذات الصلة.
ولا يستطيع أحد التكهن بميقات أو مكان ظهور الجائحة التالية على الإطلاق. ولكن مع القليل من العناية والاهتمام، يمكن لوكالة الفضاء الأميركية وشركائها ضمان أن الوباء القادم لن يغزونا من خارج كوكب الأرض.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»