علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

مهنة أبيك

نحن في أول أيام العيد لذلك أهنئ القراء الكرام بعيد الفطر المبارك، ثم أهنئ زملائي في الصحيفة الذين لا يتوقف عملهم في العيد، أو فيما سواه من العطل، داعياً الله أن يعيده على الجميع بالخير والبركة. وفي العيد يصعب الحديث عن الاقتصاد، المادة الجافة التي هدفها الربح والخسارة، وفي الأغلب كلاهما يرفع الضغط، ونحن بالطبع نعرف كيف ترفع الخسارة الضغط، ولكن كيف يرفع الربح الضغط؟ يرفع الضغط إذا أتى دون الربح المستهدف! على أي حال لا أرغب في الخروج عن الهدف أنا أيضاً، إذ سنتحدث اليوم عن علم الاقتصاد ذاته وهل هو علم قديم أم حديث؟
البعض يظن أن علم الاقتصاد علم حديث النشأة، نعم علم الاقتصاد إذا كان المقصود هو التأصيل للنظريات، هو علم حديث النشأة ففي العلوم الإنسانية الممارسة تسبق التأصيل، فالعلماء يرصدون الواقع ويحولون الممارسة إلى نظرية. ومن هذا المنطلق فعلم الاقتصاد علم قديم النشأة قدم الإنسان ذاته، فالإنسان القديم استخدم المقايضة كأداة للتبادل التجاري وحاول وضع عملة يستخدمها كنقد، لذلك هداه تفكيره ليستخدم الملح كعملة، ثم التوابل ثم الذهب، وأخيراً العملة الورقية ذات الغطاء الذهبي، ومع التطور التقني سنذهب للعملة الإلكترونية، ومع التطور البشري حاول الإنسان وضع النظريات الاقتصادية على شكل أمثال تمثل خلاصة تجربته الإنسانية ليأتي الفرد المعاصر ويؤصل هذه الأمثال على شكل نظريات.
ففي الحجاز يقولون في أمثالهم الاقتصادية «مهنة أبوك لا يغلبوك» ويقصدون في المثل أنك تعرف أسرار مهنة والدك عبر حديث والدك وعبر الممارسة معه، إذا كان القدامى يصطحبون أبناءهم معهم لمهنهم فبالتالي الابن يعرف أسرار مهنة والده، لذلك النجاح في المهنة شبه مضمون إذا مارسها لأنه يعرف أسرارها، والعكس تماماً فأنت إذا ذهبت لمهنة غير مهنة أبيك فقد تفشل لأنك لا تملك الخبرة والمعرفة في هذه المهنة، وهو ما عبر عنه المثل بالهزيمة. في المقابل نجد نظريات الاقتصاد تصل لنفس الهدف الذي وصل إليه المثل، فنجد الاقتصاديين يوصون بالاستثمار في مجال المعرفة، فأنت إذا استثمرت في نطاق المعرفة التي تملكها كان ذلك أقرب للنجاح والعكس بالعكس، ألا ترون معي أن المثل سبق النظرية وخدم الغرض نفسه.
وفي العالم العربي يشتهر إخوتي الحضارم بالتجارة وهم لديهم مقوماتها، لذلك يقولون «إذا غلبوك بالفلوس اغلبهم بالجلوس» ويقصدون إذا كان جيرانك في المحلات يملكون رأس مال أكثر منك وبالتالي يؤمّنون بضائع أكثر منك بمعنى أنهم يوفّرون خيارات متعددة للزبون، وأنت بالتأكيد لا تستطيع لصغر رأس المال لديك، فنافسهم بفتح المحل ساعات أطول وأنتم تعرفون أنكم لو أردتم الحصول على سلعة معينة ثم لم تجدوها فإنكم في الغالب تبحثون عن البديل لها وهذا ما يمكّن الغالب بالجلوس من البيع.
وإخوتي المصريون يقولون في أمثالهم «سبع صنايع والبخت ضايع» وهو في الحقيقة مثل سائر على ألسنة معظم الناس في العالم العربي، والمثل له عدة تفاسير منها أن الإنسان يعرف أكثر من مهنة ومع ذلك لا يستطيع كسب قوته، والتفسير الذي يهمنا هو أنه صحيح يعرف أكثر من مهنة ولكنه لا يتقن أياً من هذه المهن إتقاناً جيداً لذلك لا يُقبل عليه الناس، وهو ما يفسر علمياً أن التخصص يحقق الجودة.
والأمثلة أكثر من أن تُحصى وهي في النهاية لخّصت التجربة وأعطت النتيجة.