جوليان لي
TT

شركات النفط الأميركية تصطف مع روسيا والسعودية

شرع منتجو النفط في الولايات المتحدة في تخفيض الإنتاج بأكثر مما اعتقد الجميع. وكانت ردود فعلهم إزاء قوى السوق أكبر مما تشير إليه البيانات الرسمية، الأمر الذي يعني أن الولايات المتحدة تعمل جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، وروسيا، وغيرهما من كبار الدول المنتجة للنفط، وذلك بغرض الإسهام في تحقيق التوازن المنشود بين العرض والطلب على النفط ومنتجاته - حتى وإن لم تكن هذه النتيجة هي ما كان يصبو إليه تماماً الرئيس الأميركي دونالد ترمب في بادئ الأمر.
وتعكس مجموعتان من البيانات الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن إنتاج النفط الخام مستقر الآن عند مستوى يقارب 11.6 مليون برميل يومياً، بمعدل انخفاض يتراوح بين 1.2 و1.4 مليون برميل يومياً، أو ما يقترب من نسبة 10 في المائة، من المستويات المرتفعة التي بلغها الإنتاج النفطي خلال فصل الشتاء الذي انتهى لتوه، استناداً إلى الأرقام الأسبوعية أو الشهرية أو كليهما معاً.
ومن أجل وضع الأرقام النفطية الأميركية في سياقها الصحيح، اتفقت الدول الأعضاء في «أوبك»، والبلدان الحليفة لها خلال الشهر الماضي على أن تخفض كل دولة منها الإنتاج النفطي بنسبة 22 في المائة من خطوط الأساس التي تعكس، في أغلبها، المستويات المسجلة اعتباراً من أكتوبر (تشرين الأول) 2018. وتظهر الأدلة المبكرة الصادرة عن بيانات تتبع حركة الناقلات النفطية، من رصد شبكة «بلومبرغ» الإخبارية، أن بعض البلدان، مثل السعودية، اتخذت خطوات كبيرة وسريعة على هذا المسار وصوب ذلك الهدف، أما بعض البلدان الأخرى، فلا تزال متأخرة عن الركب حتى الآن. بيد أن كل كبار البلدان المنتجة للنفط من أعضاء منظمة «أوبك» - بما في ذلك العراق - قد رفعت من السقف السعري مع تخفيض المخصصات من النفط الخام للعملاء الرئيسيين خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، ما يشير بالفعل إلى تحسن منتظر في مستويات الامتثال.
وبالمقارنة، تشير الأرقام الرسمية الصادرة إلى أن الولايات المتحدة شرعت في تخفيضات إنتاجية أصغر بكثير. بيد أن هذه الأرقام الأميركية ربما تقلل من حجم التخفيضات المفروضة على شركات إنتاج النفط الأميركية، مع الإقلال من قيمتها إلى درجة كبيرة.
ويتعين على التدفق النفطي إلى سلاسل التوريد أن يتفق مع المقدار القادم من الخارج. وهذا من قبيل الحسابات الرياضية الأساسية.
ولكن مع إضافة الإنتاج، والواردات، والخام النفطي المستمد من صهاريج التخزين إلى بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الناتج لا يساوي الكمية التي تعمل محطات التكرير النفطية على معالجتها، أو الكمية المستخدمة، أو المصدرة، أو المحفوظة في صهاريج التخرين. وتعترف إدارة معلومات الطاقة الأميركية بهذا الفارق من خلال نشر عامل ضبط النفط الخام، من حيث القيم المطلقة، وبالتالي فإن هذا الرقم يزداد كثيراً بالفعل.
ومن واقع بيانات الأسبوع الأول وحتى 8 مايو (أيار) الجاري، جرى الإبلاغ عن عامل الضبط الذي بلغ 914 ألف برميل في اليوم. وهذا المعدل الأكثر سلبية من أي وقت مضى. وإيجازاً للقول، كانت الأرقام الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية خلال الأسبوع الماضي إما أنها أفرطت في تقدير العرض من النفط الخام بمقدار 914 ألف برميل في اليوم، أو قللت الأرقام من تقدير الطلب بمقدار مماثل، أو مزيج من الاثنين معاً.
وتعدّ كمية النفط الخام القادمة، أو الخارجة من البلاد جيدة التوثيق. وكذلك هي الكمية الداخلة إلى صهاريج التخزين والخارجة منها إلى المصافي النفطية، لذلك فإن المصدر الأكثر تبايناً هو أرقام الإنتاج.
وإذا كان عامل الضبط لا يعكس مقدار الإفراط في إنتاج النفط الخام، فإن شركات إنتاج النفط الأميركية تضخ أقل من 10.6 مليون برميل يومياً. ومن شأن هذا الانخفاض في الإنتاج أن يبلغ نحو 2.4 مليون برميل يومياً، أو نسبة 18 في المائة، ما يجعلها أقرب كثيراً إلى التخفيضات التي وافقت عليها «أوبك» وحلفاؤها.
وهناك كثير من الأدلة الظرفية التي تفيد بأن الولايات المتحدة تنتج معدلات أقل. ويوجد الآن عدد أقل من حفارات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة عما كانت عليه الأوضاع إبان فترة الركود السابقة في عام 2016، عندما أسفر انهيار أسعار النفط بحلول نهاية الطفرة الصخرية النفطية الأولى. ونشرت المؤسسة الاستشارية لحقائق الطاقة العالمية مذكرة بتاريخ الأول من مايو تقول فيها إن تقارير أرباح الشركات النفطية تشير إلى انخفاض محتمل بواقع 3 ملايين برميل في اليوم من الإنتاج الأميركي بحلول نهاية يونيو. ويبدو أن الولايات المتحدة على طريقها صوب هذا المعدل.
وعلى الرغم من أن الرئيس ترمب قد سعى إلى حماية صناعة النفط الأميركية مع تحفيز البلدان الأخرى على تخفيض الإنتاج بغرض رفع الأسعار، تبدو الأسواق أنها تتأكد من مشاركة الأوجاع النفطية مع الجميع. ولكن هذه التخفيضات العميقة، على الرغم من أنها غير طوعية، تساعد في إعادة التوازن العالمي بين العرض والطلب بوتيرة أسرع، مع تهيئة الأجواء الراسخة للبدء في انتعاش إنتاج وأسواق النفط.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»