إيلي ليك
TT

قبضة إيران تتراخى في العراق

عندما استهدفت صواريخ أميركية أهمّ لواء وقائد أهم جماعة مسلحة في إيران، وأردته قتيلاً في بداية يناير (كانون الثاني) الماضي خلال زيارته إلى بغداد، بدا الأمر كأنه سيتم طرد القوات الأميركية من العراق. وبعد ساعات قليلة من الهجوم الأميركي اجتمع البرلمان العراقي وأصدر قراراً رمزياً بطرد القوات الأميركية من البلاد.
مع ذلك، وبعد مرور 4 أشهر، لا تزال القوات الأميركية موجودة في العراق، ومن الواضح أيضاً أن عمليات القتل قد منحت الحكومة العراقية الجديدة فرصة لتأكيد استقلالها عن دولة الجوار. أخذت مؤشرات ذلك النهج الجديد تظهر تباعاً خلال الأشهر القليلة الماضية، ولعل أحدثها وأكثرها عمقاً هو تعيين مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة خلال الأسبوع الماضي. واتهمت جماعةُ «حزب الله»، الجماعةُ المسلحة المسؤولة بشكل كبير عن تنفيذ الهجمات على المواقع الأميركية في العراق، رئيسَ الوزراء الجديد بالاشتراك في المؤامرة الأميركية التي استهدفت قتل القادة الإيرانيين، أثناء المفاوضات المتعلقة باختيار رئيس وزراء مؤقت للبلاد. وقد عارض «حزب الله» الكاظمي، وهدد بارتكاب أعمال عنف في حال توليه رئاسة الوزراء، لكن البرلمان العراقي تجاهله. بطبيعة الحال تمثل معارضة جماعة مسلحة مدعومة وموجّهة من إيران مؤشراً واضحاً وجليّاً على عدم قبول إيران للكاظمي؛ وتتصرف جماعة «حزب الله» كذراع لـ«فيلق القدس» الذي كان يقوده قاسم سليماني قبل مقتله في الهجوم الذي نفذته الولايات المتحدة الأميركية بالطائرات المسيّرة.
يبدو أن الإيرانيين هذه المرة سوف يتعايشون معه. لماذا؟ لقد نجح الكاظمي في استغلال الانشقاق الموجود داخل مراكز القوى الإيرانية؛ على حد قول نبراس الكاظمي، مؤسس موقع «تاليسمان جيت (باب الطلسم)» المتابع للشأن السياسي العراقي؛ حيث يقول إن وجود صراع بين فصائل إيرانية داخل العراق قد أتاح «المجال في بغداد لحدوث نتائج لم تكن متوقعة من قبل». وأضاف قائلاً عن الكاظمي: «لقد تسلل عبر الشجار بين العناصر الإيرانية، لكن لم يكن توليه للمنصب بفضل النفوذ الأميركي».
على الجانب الآخر؛ قد تفيد تلك الانشقاقات في إيران المصالح الأميركية، حيث يدعو برنامج الكاظمي إلى إصلاح وزارة الداخلية، التي تولت قواتها عملية التنسيق مع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران من أجل فضّ المظاهرات السلمية التي شهدتها البلاد مؤخراً ضد النفوذ الإيراني، بطريقة عنيفة. سيكون وزير الداخلية الجديد هو الفريق الركن عثمان الغانمي، وهو ضابط مدرب تدريباً أميركياً، ويشغل حالياً منصب رئيس أركان الجيش العراقي. وقد اخترق هذا المنصب من قبل قادة جماعات مسلحة كان ولاؤهم لسليماني وإيران أكبر من ولائهم للعراق؛ وها قد سنحت الفرصة الآن لتنظيف البيت من الداخل، وهو ما تستهدفه الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة.
كذلك تعهد الكاظمي بالتصدي للفساد، الذي يعدّ الدافع الرئيسي لاندلاع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد، وكذا من الأسباب الرئيسية التي تساعد إيران على ترسيخ نفوذها في العراق. مع ذلك؛ لم يكن برنامج الكاظمي واضحاً في انتقاده الأفعال الأميركية كما كان يفعل سلفه، حيث ورد في برنامجه أن العراق لن يسمح «باستخدام أراضيه قاعدة لتنفيذ أي اعتداء أو هجوم ضد أي دولة من دول الجوار، ولا أن يصبح ساحة معركة للصراعات الإقليمية والدولية». في الوقت نفسه، يشير البرنامج بشكل غير مباشر إلى أنه لن يسمح لإيران بإدارة علاقتها بالعراق على النحو الذي كانت تتم به خلال سنوات وجود سليماني. وجاء في البرنامج: «فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، سوف تتواصل الدولة مع المؤسسات الرسمية فحسب، وطبقاً للأعراف الدبلوماسية الدولية، لا مع أفراد أو كيانات غير رسمية».
لا يوجد حدث واحد تسبب في فقدان إيران نفوذها في العراق، فقد ساعدت الاحتجاجات المناهضة للفساد والنفوذ الإيراني والتي شهدتها البلاد مؤخراً، إلى جانب الصراع الداخلي بين جماعات مسلحة مدعومة من إيران، في تولي الكاظمي المنصب؛ فضلاً عن موت سليماني الذي كان ضمن العوامل المؤثرة أيضاً. ويقول مايكل نايتس، زميل رفيع المستوى في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»: «عندما تم قتل سليماني، كانت إيران ترتكب الأخطاء بسبب غرورها، وتعاني بالفعل من العواقب». ويضيف أن وضع إيران في العراق قد بات أضعف كثيراً منذ مقتل سليماني، وأنه «لا يزال لديها نفوذ، لكنها لا تسيطر». إذا كان ذلك صحيحاً بالفعل، فسيكون تطوراً إيجابياً ليس بالنسبة للعراق فحسب؛ بل لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.