علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

ليست الأولى

هذه ليست المرة الأولى التي يمر فيها العالم بأزمة اقتصادية، ثم يتجاوزها، وحينما نتحدث عن العالم، فإن العالم العربي بالطبع قد تأثر بهذه الأزمات، فخلال الثلاثة قرون الماضية مر العالم بخمس أزمات اقتصادية.
الأولى كانت «أزمة الائتمان» في عام 1772، وبدأت هذه الأزمة في لندن، وانتشرت في عموم أوروبا، وذلك عندما كونت بريطانيا ثروة هائلة من خلال ممتلكاتها الاستعمارية وتجارتها في فترة 1760.
خلق هذا حالة من الإفراط في التفاؤل، أفضت إلى التوسع الائتماني السريع من قبل العديد من البنوك البريطانية. وقد انتهى هذا التفاؤل بشكل مفاجئ في 8 يونيو (حزيران) 1772، عندما فر ألكساندر فورديس، أحد شركاء البنك البريطاني «Neal, James, Fordyce and Down» إلى فرنسا، هرباً من سداد ديونه.
بعدها، انتشرت أنباء الهروب، وعمّت حالة من الفزع في إنجلترا، حيث بدأ الدائنون في تشكيل طوابير طويلة أمام البنوك البريطانية للمطالبة بسحوبات نقدية فورية. وقد انتقلت الحالة إلى كل من اسكوتلندا وهولندا، ودول أوروبية أخرى.
تلاها «الكساد الكبير» 1929 - 1939، وقد زاد عدد العاطلين عن العمل في نيويورك خلال فترة «الكساد الكبير»، وتعتبر هذه الأزمة هي الأسوأ خلال القرن العشرين.
تلت ذلك أزمة أسعار النفط عام 1973، ثم الأزمة الآسيوية 1997، التي بدأت في تايلاند عام 1997، وسرعان ما انتشرت إلى باقي دول شرق آسيا وشركائها التجاريين.
كانت آخر هذه الأزمات الأزمة الاقتصادية عامي 2007 - 2008، التي أدت إلى خسائر في البورصة الأميركية، وأدت الأزمة الاقتصادية إلى ركود كبير، يعتبر أشد أزمة اقتصادية منذ ركود عام 1929.
وفي السعودية لم تكن هذه الأزمة الأولى، ففي آخر عام من الحرب العالمية الثانية، أي سنة 1944، مرت السعودية بأزمة غذائية لانقطاع سلاسل التموين، حتى إن السنة سميت بسنة «السكر الأحمر»، لتعذر وصول السكر النقي بسبب الحرب، مما حدا بحكومة السعودية لتوزيع الغذاء على المواطنين، رغم ضعف موارد الدولة ذلك الحين.
وفي عام 1985، مرت السعودية بأزمة اقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط إلى 8 دولارات للبرميل، ما زاد الدين العام، وأجبر الدولة إلى اتخاذ إجراءات ترشيدية أثرت على دخل المواطن، مما حدا بوزارة المالية والاقتصاد الوطني في الوقت ذلك، لإصدار قرارها الشهير رقم 101، الواضح تماماً، الذي تضمن أبواب الترشيد، منها منع الانتداب للموظفين، ومنع خارج العمل الإضافي، ومن يكلفه عمله بعمل إضافي على عمله أن يعطيه إجازة بمقدار الساعات التي عملها، أي أنه لا يكلف جهة العمل أعباءً مالية إضافية، ومنع شراء الأثاث، إلى غير ذلك من البنود التي جاءت واضحة في التعميم، وذلك حتى يعرف كل رئيس جهاز أن يدير جهازه، وفق الإمكانات المالية المتاحة، وهذا يريح رؤساء الأجهزة والموظفين.
ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي الأسبوع الماضي خرج وزير المالية السعودي، ليخبر السعوديين عن الوضع المالي في البلاد، وهذا أمر واجب عليه، حتى يعرف المواطنون، مع اختلاف مستوياتهم؛ عمالاً، رجال أعمال إلى غير ذلك من شرائح المجتمع، إلى أين نحن سائرون. وزير المالية في حديثه لم يتحدث سوى عن بندين للترشيد: وقف بدل السفر، واحتمال تأجيل تنفيذ بعض المشاريع، وهذا متوقع، وترك الأبواب مشرعة لاجتهادات الناس عن البنود التي سيمسها الترشيد.
وكنت أتمنى عليه أن نستفيد من تجربتنا عام 1985، وتصدر وزارة المالية تعميماً يوضح أبواب الترشيد في الموازنة السعودية، حتى لا يقع الناس أسرى التفسيرات.
ورغم كل ما حدث، فإن العالم سيتجاوز الأزمة الاقتصادية التي سببتها جائحة «كورونا»، والعالم العربي جزء من هذا العالم، وسيتجاوزها كما تجاوز آثار حربين عالميتين.