د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

ازدياد سطوة الشركات التقنية

مَن يَرَ كثيراً من الشركات التقنية اليوم لا يصدق كيف كانت حالها قبيل أزمة 2007 المالية، فباستثناء «مايكروسوفت» التي كانت معروفة، كانت معظم الشركات التقنية اليوم أقرب للنكرات مقارنة بما هي عليه اليوم، فشركة «فيسبوك» لم يتعدَّ عمرها 4 سنوات حينذاك، وشركة «أبل» كانت لا تزال تعتمد على مبيعات الحاسبات قبل انطلاق مبيعات «آيفون». أما «أمازون» فلم تتعدَّ قيمتها عُشر قيمتها اليوم، بينما كانت قيمة «غوغل» لا تزيد على ثلث قيمتها الآن. ولكن الوضع تغير كثيراً خلال هذه المدة، فتسابقت هذه الشركات نحو التقييم التريليوني، وأصبحت هذه الشركات دون أي مبالغة تتحكم في مفاصل الحياة.
ومنذ 2009 وحتى الآن، تسببت هذه الشركات الخمس في رفع مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» (وهو مؤشر لأكبر 500 شركة أميركية) أكثر من 400 في المائة، كيف لا؛ ومجموع قيمة هذه الشركات يتعدى 5.2 ترليون دولار؟ تأتي «مايكروسوفت» في قمة هذه الشركات التريليونية بقيمة تزيد على 1.3 تريليون دولار، تليها «أبل» بما يربو على 1.2 تريليون، و«أمازون» بـ1.14 تريليون. وتشكل هذه الشركات الخمس ما وزنه 20 في المائة من مؤشر «ستاندارد آند بورز 500».
وليس ذلك ببيت القصيد، فرغم أن الشركات الأميركية - كما هي الحال في العالم بأكمله - تعاني الآن من انهيارات بسبب فيروس «كورونا»، فإن هذه الشركات الخمس وعلى العكس من ذلك كله، ما زالت تنمو وبشكل متسارع كما أوضحت نتائجها الربعية. فزادت أسعار أسهم «أمازون» بنسبة 30 في المائة، مستندة على متاجرها الإلكترونية، وزيادة الطلب على خدماتها السحابية التي زادت إيراداتها على 10 مليارات دولار لأول مرة في تاريخ الشركة، يذكر هنا أن نسبة كبيرة من أرباح «أمازون» تعود لخدماتها السحابية وذلك لارتفاع هامش الربح فيها. كما نمت إيرادات «فيسبوك» بنسبة 18 في المائة، واستفادت «مايكروسوفت» من خدماتها في الاتصال المرئي لتزيد أسهمها 10 في المائة ووصلت أرباحها إلى نحو 11 مليار دولار. وزادت أرباح «غوغل» 13 في المائة في هذا الربع مقارنة بالربع نفسه عام 2019 مستندة على إعلانات «يوتيوب» التي ارتفعت بنسبة 33 في المائة. هذه الأرقام دلالة على أن الأزمة لم تزد الشركات الخمس إلا قوة، بينما أضعفت مثيلاتها من كبريات الشركات.
ولم تكن الشركات التقنية بحاجة إلى أزمة «كورونا» لتزيد من سطوتها؛ سواء على المستوى المادي وعلى مستوى السيطرة في نطاقاتها، إلا إن أزمة «كورونا» زادتها هيمنة، وأضعفت في المقابل كثيراً من الشركات الضخمة التي قد تكون في هذه الأزمة نهاية لها. ومن يتأمل في أرقام هذه الشركات المهددة بالخسارة الفادحة يدرك لماذا يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعادة فتح اقتصاد بلاده في أسرع وقت ممكن، فشركة «فورد» صرحت بأن خسارتها للربع الأول وحده قد تزيد على 5 مليارات دولار. أما «بوينغ» فقد أعلنت أنها تخسر 4.7 مليار دولار كل 3 أشهر في هذه الأزمة. وشركات الطيران الأميركية بدأت فعلياً بإعلان إفلاسها، وأسهمها مستمرة في الانهيار، لا سيما بعد أن أعلن وارن بافيت عن بيع شركته جميع استثماراتها في أسهم شركات الطيران، وأنها ستستمر في المعاناة 3 أو 3 سنوات مقبلة. والأمثلة على هذه الخسائر لا تحصى سواء في الاقتصاد الأميركي وغيره.
هذه المشاهد الاقتصادية دلالة على أن شركات التقنية قد تبدأ في التوسع خارج نطاق استثماراتها بسبب تعدد الفرص الموجودة في السوق الآن. فكثير من الشركات العالمية الآن على حافة الإفلاس، والشركات الصامدة قليلة جداً، بينما تشهد شركات التقنية نمواً وربحاً وفيراً. وقد يقول قائل إن الشركات التقنية أذكى من أن توسع محافظها الاستثمارية بالخروج عن نطاق نشاطاتها التقنية، إلا إن هذا القول يمكن رده بشراء «أمازون» شركات غذائية قبل سنتين... أي إننا قد نرى في الفترة المقبلة كثيراً من عمليات الاستحواذ من شركات تقنية، على شركات من قطاعات أخرى، كالطيران مثلاً!