بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

شرق أفريقيا بين «كورونا» والجراد والأوبئة والفيضانات

ما مقدار الكوارث الأخرى التي يمكن لشرق أفريقيا أن تتحمله؟ فهي تكافح بالفعل في مواجهة كارثتين متزامنتين: تفشي وباء «كورونا» القاتل، وانتشار أسراب الجراد المهلكة، مع معاناة المنطقة في الأثناء ذاتها من الهطول غير المتوقف للأمطار الغزيرة بصورة استثنائية غير معتادة، مع الفيضانات التي تهدد مظاهر الحياة في كل بقعة من إثيوبيا وحتى تنزانيا، وكافة ما بينهما من بلدان.
وبالنسبة إلى المنطقة الأكثر حيوية من الناحية الاقتصادية في القارة السمراء، ربما يُضاف إلى مزيج الكوارث الثلاثية المذكورة كارثة رابعة، ألا وهي: ندرة موارد الطعام. لم يتخير ذلك الشبح القميء من ماضي شرق أفريقيا القاتم لحظة هي أسوأ من الأوضاع الراهنة كي يعاود الظهور من جديد. فقوى العالم وجهوده مشتتة أيما تشتت بسبب مواجهة وباء «كورونا» الفتاك، وأصبحت مصادر الإغاثة والمدد التقليدية – أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – تمر بأصعب الأزمات الاقتصادية الخاصة بهما. ولم تبرهن الصين – وهي الشريك الاقتصادي المفضل لدى عديد من بلدان القارة السمراء في السنوات الأخيرة – على القدرة الكاملة (أو حتى الرغبة الكامنة) في ملء فراغ القوى الكبرى الآخذ في الاتساع.
وحتى قبل حلول موسم الفيضانات العارمة، كانت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) تحذر من «تهديدات غير مسبوقة في الأمن الغذائي في أفريقيا». وأُلقيت التبعة على الظهور المفاجئ لأسراب جديدة من الجراد. وصرح «مركز التنبؤات والتطبيقات المناخية» في نيروبي، بأن أسراب الجراد بدأت في غزو منطقة شرق أفريقيا بأعداد مهولة وبصورة استثنائية لم يسبق لها مثيل، ولم تُشاهَد بهذا الحجم من قبل. وتعتبر أسراب الجراد الكبير تلك من نواتج التغييرات المناخية لكوكب الأرض: فلقد أسفرت الأجواء المناخية الرطبة بصورة غير معتادة على مدار العام ونصف العام الماضي، عن تهيئة الظروف المثالية لظهور أسراب الجراد.
وتسببت الشراهة الكبيرة لأسراب الجراد الأولى في إلحاق الأضرار الفادحة بالمحاصيل الزراعية في شرق أفريقيا. ووفقاً لشركة «غرو» الخاصة والمعنية ببيانات وتحليلات السلع، تمكنت أسراب الجراد حتى الآن من إتلاف أكثر من 25 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في إثيوبيا، وكينيا، والصومال.
وتشير الدلائل إلى أن الأسوأ فيما هو قادم. فمن المتوقع للأجواء المناخية الرطبة الراهنة أن تدفع بأسراب جديدة من الجراد الشره مع حلول فصل الصيف المقبل، تماماً مع بدء موسم حصاد المحاصيل الزراعية.
تتطلب مكافحة أسراب الجراد كميات هائلة من المبيدات الحشرية وجيشاً من العمال لاستخدامها، غير أن تفشي وباء «كورونا» الراهن يعيق البدء في هذه الجهود؛ إذ يسبب التأخير في وصول شحنات المبيدات الحشرية ومعدات الرش المطلوبة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الشحن حالياً. والحكومات مطالبة بحماية مواطنيها من تفشي وباء «كورونا»، مع قيود السفر والانتقال المصممة للحيلولة دون انتشار الوباء التي تفرض العراقيل الكبيرة على جهود مواجهة أسراب الجراد المهلكة.
لكن المخاطر المحتملة على الأمن الغذائي هائلة للغاية. ربما لا تستشعر البلدان المعنية أنها تملك رفاهية الاختيار بين مختلف الكوارث المحدقة. فإن أوغندا - على سبيل المثال - تطلب من المزارعين عدم التوقف عن مواصلة زراعة المحاصيل، حتى برغم جهودها الكبيرة في محاولة تأمين الأقنعة الواقية لأفراد الشعب، وعلى الرغم أيضاً من مخاطر أسراب الجراد التي سوف تأتي على كثير من المحاصيل الزراعية على أي حال.
وتطالب منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «الفاو» بتأمين مبلغ 153 مليون دولار من أجل مساعدة البلدان في شرق أفريقيا، جنباً إلى جنب مع السودان واليمن، على مكافحة أسراب الجراد المندفعة. وحتى الآن لم يتم التعهد بتأمين أو تسليم إلا ثلث المبلغ المذكور للبلدان المعنية، غير أن مكافحة نقص الموارد الغذائية الذي تفاقم بسبب الفيضانات العارمة، سوف تستلزم توفير المبالغ المالية الأكثر من ذلك بكثير. مع توفير مزيد من الأموال لوضع اقتصادات بلدان شرق أفريقيا – التي كانت من أبرز اقتصادات القارة حتى وقت قريب – على خطط الإنقاذ ودعم الحياة أثناء تعافي العالم بأسره من وباء «كورونا» الفتاك.
ولكن، من أين يمكن أن تأتي تلك الأموال؟ من المرجح لبلدان شرق أفريقيا أن تدخل في منافسة مع البلدان الأفريقية المجاورة – والعام النامي الأوسع نطاقاً – من أجل تأمين الحصول على الأموال الطارئة من جهات الإقراض الدولية متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وغيرهما، ثم تتحرك على مسار المطالبة بخطط أكبر للإنقاذ المالي.
وسوف تنشأ المنافسة أيضاً بين البلدان الأفريقية في إعادة جدولة، أو ربما الإعفاء الكلي، من المدفوعات المستحقة للصين التي تعتبر أكبر دائن حالي في القارة الأفريقية. ولقد وافقت الحكومة الصينية على الانضمام إلى أعضاء مجموعة العشرين، في تأجيل سداد ديون بقيمة 20 مليار دولار مستحقة على بعض البلدان الفقيرة. وتقول بعض الحكومات الأفريقية إن الصين تطالب بالسيطرة على الأصول الحكومية الاستراتيجية لدى تلك البلدان، في مقابل التخفيف من أو شطب الديون المستحقة عليها نهائياً. وتخشى بعض جهات الإقراض الأخرى من أن أي اعتبارات يتقدمون بها إلى البلدان الأفريقية المدينة سوف تصب في صالح المقرضين الصينيين في خاتمة المطاف.
ولا يبدو أن الإنسان أو الطبيعة يميلان إلى منح بلدان شرق أفريقيا أي فرصة لالتقاط الأنفاس المتلاحقة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»