إميل أمين
كاتب مصري
TT

بايدن والرؤى الدوغمائية

في تصريح لا يخلو من مكايدة سياسية واضحة وفاضحة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، صرحت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، بأنها تؤيد وتدعم نائب الرئيس الأميركي السابق جوزيف بايدن، في مسيرته للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي له لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، واعتقادها أنه سيكون رئيساً استثنائياً، على حد تعبيرها.
يمكن لأي متابع للشأن الأميركي أن يسأل بيلوسي، التي لم توفر جهداً لإزاحة الرئيس ترمب من الصورة، وفي جميعها أخفقت، عن السر الذي يجعل بايدن استثنائياً، وهل للرجل إنجازات تاريخية سابقة، سيما أنه أشبه ما يكون بالساعة الأوميغا التي لا تقدم ولا تؤخّر، قبل نيابته لأوباما أم بعدها؟
يبدو أن الديمقراطيين يشعرون بمخاوف عميقة تجاه بايدن لا سيما بعد أن أضحى الرجل أداة شقاق وفراق داخل الحزب، إذ يستشعر البعض، مثل بيتر داو، الناشط السياسي الديمقراطي، وأحد أقوى مؤيدي هيلاري كلينتون، ومستشارها خلال حملتها الانتخابية عام 2016، أن بايدن خطر موقوت على الحزب برمته، وعليه الانسحاب من حلبة السباق، وبخاصة بعد أن بدأت تتعزز معلومات عن فضيحة أخلاقية له، حكماً سوف تزيد من فرص هزيمته في نوفمبر القادم.
في مواجهة الإخفاق الملاحق لبايدن عبر ما تردد عن أزمة أوكرانيا، واليوم تتصاعد أنباء تحرشه بموظفة سابقة في الكونغرس، لا يجد بايدن سوى توجيه سهام الإرهاصات تجاه الرئيس ترمب، واتهامه بأنه سيختلق الأعذار من أجل تأجيل الانتخابات الرئاسية، عن موعدها الثابت الذي لا بد أن تجري فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ترمب لم يتناول بالمرة أو يلمّح إلى مسألة التأجيل من جراء وباء «كورونا»، بل إن الرجل يسارع الرياح من أجل القضاء على الفيروس الشائه هذا.
لا يوجد في رصيد جوزيف بايدن الشخصي أو السياسي ما يمكّنه من الفوز على الرئيس ترمب، والذي تختلف من حوله الأصوات، إلا أنه في نهاية المشهد كاريزماتي بامتياز أمام بايدن، وما حققه من إنجازات خلال السنوات الثلاث المنقضية يكفيه لمقارعة بايدن أكثر من مرة، لا سيما إذا خلّينا «كورونا» جانباً بوصفه كما يسمي الأميركيون الأمر «Act of God»، كما الحال مع الكوارث الطبيعية، أما مسألة التقصير في معالجة الأمر فربما تحتاج إلى تحقيق موسع لتبيان الحقيقة، لا يوجد متسع من الوقت له في ظل الأزمة الطاحنة.
نقطة من النقاط الاستراتيجية التي تقطع العلاقة بين بايدن وبين الاستثنائية من الأصل، هي كما يبدو عدم مقدرة الرجل على تفهم أبعاد العلاقات الاستراتيجية الأميركية، وتحالفات واشنطن مع دول العالم خارج النطاق الجغرافي للإمبراطورية الأميركية، فهو مسوق بدافع قسري من التيارات اليمينية المتطرفة، والتي تتعاطى مع السياسة الدولية بالمواقف الحدية، والرؤى الدوغمائية، والتي لا يمكنها في يوم من الأيام أن تقود دولة اعتيادية، فما بالنا بالدولة التي لا تزال حتى الساعة المتقدم بين متساويين في أسوأ الأحوال، والقطب المتميز في أفضلها.
الناظر إلى بايدن يوقن بأن الأيادي المرتعشة لا تقدر على اتخاذ قرارات مصيرية، وهذا ما لفت إليه النظر الباحث إيه جيه كاشيتا، في تقرير له عبر موقع «ذا هيل» الأميركي، مشيراً إلى أن الديمقراطيين بقيادة بيلوسي وبايدن ومن لفّ لفّهما يحاولون إلقاء طوق النجاة للإيرانيين وتخفيف العقوبات عنهم، هذا في الوقت الذي تمارس فيه إيران إرهاباً بحراً وبراً وأخيراً في الجو عبر أقمار صناعية عسكرية.
حكماً سوف يتساءل رجل الشارع الأميركي في الحال والاستقبال عن الأسباب التي تجعل بايدن ومن معه يراهنون على إيران، وبهذا يعرّضون الأمن القومي الأميركي لخطر جسيم، سواء في داخل الحدود الوطنية، أو فيما يخص الوجود الأميركي في الشرق الأوسط بشكل عام.
السذاجة الوطنية، إن جاز التعبير، أمر لا يليق بمرشح رئاسي يخلف الوعد لأصدقاء أميركا وسندها الحقيقي في الشرق الأوسط عبر عقود طوال، ويفي لأعدائها... رهانات بايدن الخاسرة لا تفيد.