روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

الأنباء الجيدة الوحيدة حول الفيروس

مع نهاية شهر مارس (آذار) والإغلاق العام الذي تشهده الولايات المتحدة إثر انتشار فيروس «كورونا»، بلغتنا تقارير عن حالة من التفكير تنتاب إدارة الرئيس دونالد ترمب بشأن تصعيد المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران في العراق.
وقال مسؤولون أميركيون إن الهجمات ضد القوات الأميركية من الميليشيات الشيعية، لا سيما كتائب «حزب الله» الموالية لإيران، تجاوزت حد الجرأة بكثير. وأقر بعض مسؤولي الإدارة الأميركية أن اغتيال الجنرال قاسم سليماني لم يسفر عن ردع هذه الميليشيات عن شن المزيد من الهجمات. كما وردت تقارير أخرى تفيد بأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وجهت الأوامر للمخططين العسكريين للتأهب لحملة تدمير كتائب «حزب الله» إذا ما رغب الرئيس الأميركي في الرد بطريقة قاسية على أي هجوم جديد تتعرض له القوات الأميركية المنتشرة في العراق. ووفقا لوسائل الإعلام الأميركية، فإن وزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، وريتشارد غرينيل نائب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية يحضون بشدة لاتخاذ إجراءات الرد القوي على إيران.
وجدير بالذكر أن وزير الدفاع مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال مايلي، والجنرال وايت قائد القوات الأميركية في العراق يتخذون موقفاً أكثر حذراً وتأنياً إزاء التصعيد العسكري ضد إيران. وكان الجنرال وايت حذر من أن شن عملية عسكرية كبيرة ضد كتائب «حزب الله» في العراق سيستلزم نشر آلاف الجنود الأميركيين، الأمر الذي يضعف الجهود الجارية ضد «تنظيم داعش» الإرهابي. كما ستثير مثل هذه العملية الكثير من المشكلات السياسية للحكومة العراقية في بغداد. وتعتمد وزارة الدفاع الأميركية في العراق حالياً منهج الحد من المخاطر قدر الإمكان، ذلك بهدف تهدئة الغضب العراقي المشتعل بسبب العمليات العسكرية الأميركية ضد إيران ووكلائها داخل العراق، في حين تؤكد بيانات صحافية عسكرية صادرة عن الولايات المتحدة أن المهمة الوحيدة للقوات الأميركية في العراق، هي مساعدة القوات العراقية على مكافحة واحتواء «تنظيم داعش» الإرهابي.
كانت القوات الأميركية قد أتمَّت انسحابها من أربع قواعد عسكرية في الأنبار، وكركوك، ونينوى نظراً لقدرة قوات الأمن العراقية في تلك المدن على احتواء مخاطر «تنظيم داعش» من دون مساعدة أميركية كبيرة. ومما يُضاف إلى ذلك، أنه في 20 مارس من العام الجاري، أعلنت الحكومة العراقية عن تعليق مهام التدريب العسكري بسبب انتشار فيروس «كورونا» في البلاد. وجاء هذا الإعلان مناسبا لجهود انسحاب بعض القوات الأوروبية والأميركية في البلاد والتي كانت مكلفة بترتيب مهام التدريب العسكري في العراق. وأعلنت القيادة العسكرية الأميركية في العراق أن الانسحاب من طبيعة «مؤقتة» ذلك لأنه لا يعرف أحد على وجه الدقة كيف سيكون وجه العالم بعد انقضاء جائحة الفيروس الفتاك الراهنة. وفي الأثناء ذاتها، تركز القيادة العسكرية الأميركية في العراق نشر القوات في بضع قواعد، مع إقامة دفاعات مضادة للصواريخ، وتوزيع الفرق العسكرية على مختلف القواعد في الأنبار وأربيل.
وجاءت استجابة ميليشيات «حزب الله» على إعادة انتشار القوات الأميركية في العراق إيجابية نسبياً من واقع البيان الصادر عنها في 2 أبريل (نيسان) الجاري. وشجعت الميليشيات القيادة الأميركية على إتمام الانسحاب الكامل من الأراضي العراقية، كما تعهدت بأنه إذا واصلت القيادة الأميركية سحب القوات من العراق، لن يكون لدى الكتائب من مبرر واضح لشن مزيد من الهجمات الجديدة ضدها. ويبدو من لهجة البيان أنه يرمي إلى تهدئة الأوضاع المشتعلة في العراق، وإن كان في الآونة الراهنة على أقل تقدير. وأصدرت مجموعة من الميليشيات الشيعية الأخرى الموالية لإيران بيانا في 4 أبريل الجاري، بشأن ردع توجيه القوات الأميركية ضربات أخرى ضد كتائب «حزب الله». وحمل البيان نبرة تهديد واضحة بتحويل العراق إلى جحيم مستعر تحت أقدام القوات الأميركية إن هي لم ترحل من العراق.
وتجدر الإشارة إلى أن كتائب «حزب الله» لم توقع على البيان المشار إليه آنفاً. وفي غضون ذلك، نشرت جماعة جديدة تطلق على نفسها اسم «عصبة الثائرين» شريط فيديو من طائرة مسيرة حلقت فوق أجواء السفارة الأميركية في بغداد، وتحذر من أنها يمكنها - وبكل سهولة - مهاجمة الأهداف الأميركية الحساسة في العراق. ويعتقد المحللون المعنيون بالأمر في الولايات المتحدة أن جماعة «عصبة الثائرين» ليست سوى «غطاء أو مجرد ستار» لكتائب «حزب الله»، ويبدو واضحاً أن الميليشيات ترغب في تفادي توجيه الولايات المتحدة لضربة كبيرة جديدة. وفي خاتمة الأمر، تعيد القيادة الأميركية في العراق نشر وتجهيز القوات والدفاعات الجوية من دون مغادرة العراق في انتظار مقاومة الميليشيات الموالية لإيران.
ومن شأن التوقف المؤقت الراهن أن يمنح الحكومة العراقية مزيداً من الوقت في خضم العديد من الأزمات الداخلية التي تواجهها، بما في ذلك أكثر من 1000 حالة إصابة مؤكدة بفيروس «كورونا» القاتل، فضلاً عن الكارثة الاقتصادية المحدقة إثر انخفاض الأسعار، واقتراب فصل الصيف الذي يتبعه ارتفاع الطلب المحلي على الكهرباء، مع إخفاق البرلمان العراقي على تأكيد تنصيب رئيس الوزراء العراقي الجديد. ويحدوني أمل كبير في أن يحول انتشار فيروس «كورونا» دون اندلاع حرب جديدة هناك. حيث تواجه إيران أزمة كبيرة بسبب ما لا يقل عن 60 ألف حالة إصابة بفيروس «كورونا»، ناهيكم عن سقوط 4 آلاف حالة وفاة جراء الوباء الفتاك. ومن ثم، فإن طهران ليست في وضع يسمح لها بالخوض في مواجهة جديدة وكبيرة ضد الولايات المتحدة الأميركية. كما ستعاني الميليشيات الموالية لإيران من إصابة عناصرها بالمرض الجديد، فضلاً عن النقص الحاد في التمويل، وحالة السخط العامة من سوء الحكم والإدارة، ونظام الرعاية الصحية المنهك للغاية في جنوب العراق.
وفي الأثناء ذاتها، لم يسلم الجنود الأميركيون أنفسهم من الوباء الجديد. فلقد قررت وزارة الدفاع الأميركية - بغية حماية الجنود - سحب بعض قوات العمليات الخاصة من الخارج مع وقف إرسال المزيد من القوات الجديدة إلى أفغانستان. وكانت حاملة الطائرات الأميركية «تيودور روزفلت» قد اضطرت إلى إيقاف عملياتها إثر انتشار حالات الإصابة بالفيروس بين أفراد الطاقم مؤخراً. والأهم من ذلك، يواجه الرئيس ترمب أكبر أزمة اقتصادية تشهدها الولايات المتحدة في التسعين عاماً الماضية. ووردت الأنباء من البيت الأبيض بأنَّنا يجب أن نتوقع سقوط حوالي 200 ألف حالة وفاة بسبب الفيروس الجديد - وهو ما يوازي 60 ضعف الخسائر المتكبدة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكان البيت الأبيض قد حذر المواطنين خلال الأسبوع الجاري من أن تداعيات الوباء الجديد قد تكون مريعة للغاية. ومن ثم، فإن الرئيس دونالد ترمب، على غرار قادة إيران، لا يرغب أبداً في اندلاع مواجهات عسكرية جديدة وكبيرة الآن في العراق.
ورغم كل شيء، يعتبر من قبيل ما أعلمه من الأنباء السارة - نوعاً ما - بشأن الفيروس الجديد.