طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«ساعة الحظر ما تتعوضش»

تغيير طفيف في الكلمة أحال «الحظ»، وهو أصل المثل الشعبي الشائع ليصبح «الحظر»، تعددت النكات في العالم كله، التي لاحقت الفيروس منذ الإعلان عنه، وهو علاج يثبت دائماً نجاحه في مواجهة كل الأمراض، مهما اشتدت خطورتها، الضحك يزيد من قوة درجة المناعة لدى الإنسان، وهو خط الدفاع الأول ضد الفيروس اللعين، ثبت علمياً أن 80 في المائة من البشر تغلبوا على «كورونا» من دون حتى أن يشعروا به، يواجهوه بما لديهم من مقاومة داخلية، على الجانب الآخر، بات الاحتراز من العدوى هو الذي يسيطر على السلوك العام، وهو ما ينطبق عليه قول الشاعر الأندلسي ابن زيدون «أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا - وناب عن طيب لُقيانا تجافينا»، وهكذا صار الابتعاد ومع سبق الإصرار والترصد هو الدليل العملي على عمق مشاعر الحب.
لو تأملت ما يجري من تداعيات في العالم، منذ أن بدأ يتردد وعلى استحياء اسم «كورونا» ستكتشف أن هناك دائماً وجهاً آخر للصورة، ساعة الحظر رأتها بعض الدول أيضاً أقرب لساعة الحظ، لديكم مثلاً «بوتين» استغل الفرصة، ومرر تغيير مادة في الدستور تتيح له البقاء مجدداً على كرسي الرئاسة في روسيا قرابة 20 عاماً قادمة، وهو ما وصفوه بتصفير العداد، هو قطعاً موقن أن لا أحد عاقل سيجرؤ على مغادرة منزله، والاشتراك في مظاهرة لإعلان الاحتجاج.
في اليمن قوات الانقلاب على الشرعية استغلت الإجراءات الاحترازية، من أجل فرض قيود على المدن المحررة، منتهى القسوة أن يجد المواطن البسيط نفسه بين مطرقة الحوثيين وسندان «كورونا».
الحظر فرصة أيضاً للأشخاص لإنجاز الكثير مما هو متراكم، لقد فعلها وليم شكسبير قبل نحو أربعة قرون عندما اجتاح وباء الطاعون المملكة البريطانية، وفرض الحظر على الجميع، استطاع استكمال ثلاث مسرحيات «أنطونيو وكيلوباترا» و«ماكبث» و«الملك لير»، التي صارت مع الزمن أشهر وأهم عناوين الأدب العالمي.
في مسلسلات رمضان الذي يهل علينا قبل نهاية هذا الشهر، لدينا عدد منها توقفوا بالفعل عن استكمالها، لأسباب تسويقية، ولكنهم وجدوها فرصة لاعتبارها إجراءات احترازية، وهناك من خرج قبل أسابيع من سباق رمضان، ثم «تشعبط» في قطار «كورونا».
عدد المسلسلات في كل القنوات الفضائية، سيهبط للنصف، أو أقل، الشاشات لن تعتمد فقط على الأرشيف، لملء المساحات الفارغة بمادة درامية قديمة، سوف تبحث عن مادة أخرى جذابة، لا تتطلب وقتاً طويلاً في تنفيذها، وهكذا سيزداد عدد البرامج التي تستحوذ على اهتمام الجمهور، أحد المذيعين أطلق على برنامجه الجديد اسماً مؤقتاً «كورونا وأنا»، يروي الضيف كيف واجه الفيروس، وما أطرف المواقف التي تعرض لها، إحدى الشركات العالمية للمجوهرات صنعت قلادة على شكل «كورونا»، ولا أستبعد والحال كذلك أن بعض بيوت الأزياء سوف تستخدم ملامح الفيروس في صناعة فساتين وبِدل السهرة، وفي أول مهرجان سينمائي عالمي تتم إقامته سنرى النجوم وهم يتسابقون على السجادة الحمراء، لسرقة الكاميرا بفضل خيوط الأزياء (الفيروسية)، الأفلام سواء بمذاق ومعالجة سياسية أو كوميدية، لن تترك الفيروس في حاله، دون أن تتناوله وتتصارع على عرضه، العالم مر في علاقته مع الفيروس بثلاث مراحل، الخوف من مجهول ثم السخرية من معلوم، وأخيراً الاستثمار بمختلف أنماطه مشروعة وغير مشروعة، وكل يُغني على «كوروناه»!