إميل أمين
كاتب مصري
TT

خريطة طريق للإيرانيين الجدد

لم يتأخر الرد الأميركي على قصف معسكر التاجي العراقي؛ حيث لقي جنديان أميركيان وآخر بريطاني مصرعهم، إذ قصفت الطائرات الأميركية المقاتلة أربعة مواقع للميليشيات التابعة مذهبياً لإيران في داخل العراق، لا سيما المواقع التي يتم فيها تخزين الأسلحة والقذائف.
قبل هجمات التاجي، كانت وسائل الإعلام الأميركية تتحدث عن استعدادات تقوم بها القيادة المركزية الأميركية في المنطقة، تحسباً لسيناريوهات عدائية إيرانية في منطقة الخليج العربي لزعزعة الاستقرار، لا سيما بعد أن تمكنت إيران من تعديل صاروخ روسي «إس إيه - 6»، أرض جو، الذي حاولت إطلاقه - بحسب وسائل الإعلام الأميركية - على طائرة سعودية فوق اليمن، نهار الرابع عشر من فبراير (شباط) الماضي. ولهذا أكد قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي أن الولايات المتحدة بصدد إرسال أنظمة دفاع جوي إلى العراق لحماية الجنود الأميركيين.
من جهة ثانية، بدا أن خطط واشنطن تهدف إلى نشر قوات في المنطقة بعمق عملياتي لردع إيران، في حين قالت القيادة الوسطى: «إن وجودنا في المنطقة يعطي إشارة واضحة بشأن قدراتنا للدفاع عن شركائنا وعن المصالح القومية الأميركية».
يعنُّ لنا أن نتساءل: ما الذي جرى ودفع إيران في طريق التصعيد على هذا النحو الخطير والمثير؟ وهل تسعى للتغطية - أو بمعنى أدق التعمية - على أمر ما جلل؟
مؤكد أن الملالي يسعون إلى تصدير أزمات الداخل إلى الخارج، لا سيما إشكالية تفشي فيروس «كورونا» وإخفاقهم في مواجهته، ما يجعلهم في حاجة إلى تحويل الأنظار عن الداخل إلى الخارج، من خلال عملية عسكرية يعرفون كيف سيأتي الرد الأميركي عليها، لخلق حالة من التكاتف والتعاطف الشعبي الداخلي من حولها.
غير أن هناك جواباً آخر نجده عند الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي أصدرت تقريرها الأخير عن البرنامج النووي الإيراني، في الثالث من مارس (آذار) الجاري، وفيه أشارت إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قد تضاعف ثلاث مرات منذ صدور التقرير السابق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وبلغة الأرقام فقد وصل إلى 1020 كيلوغراماً، أي أن إيران في حاجة إلى 30 كيلوغراماً فقط لإنتاج ما يكفي لصنع قنبلة نووية بسيطة، خلال ما يزيد قليلاً على ستة أشهر، اعتماداً على عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة وفعاليتها.
لم تعد محاولات إيران خداع العالم تنطلي على أحد، وهنا لن تنفعها التقية في طريقها للوصول إلى السلاح النووي، ولن يصدق أحدهم الفتاوى المنحولة بتحريم حيازة هذا السلاح الفتاك المنسوبة للمرشد علي خامنئي ومن حوله. تقرير وكالة الطاقة النووية الذي حاولت إيران - ولا تزال - التشويش عليه، يؤكد رفض إيران السماح لموظفي الوكالة المختصين بالدخول إلى مواقع استخدمت في العمل على الأنشطة النووية، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
ليس سراً أن إيران في عهد محمد خاتمي، وتحديداً عام 2003، حين رأت التدخل العسكري الأميركي الذي لا يصد ولا يرد في العراق، قد أوقفت بعض أنشطتها النووية العسكرية. والعهدة هنا على تقارير مؤكدة للاستخبارات الأميركية؛ لكنها مع ذلك استمرت في محاولة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يمكن استخدامه كمادة نووية متفجرة.
السؤال بيت القصيد الذي هو محور نقاش في هذه الأوقات في الداخل الأميركي، ويشكل حالة طارئة غير معلن عنها بخصوص إيران وأوضاعها ومآلات مشروعها النووي، وهو سؤال غير مطروح حتى في وسائل الإعلام الأميركية، وإنما القلة القليلة هي المطلعة عليه في الداخل الأميركي: «هل أمرت إيران بهذا التوقف الجزئي في ذلك الوقت، بسبب اكتمال أنشطة تصميم الأسلحة النووية بنجاح، وحصلت على بعض النماذج الأولية منها بالفعل، الأمر الذي تستند إليه في تهورها الاستراتيجي، واندفاعاتها العمياء إلى الأمام، مرتكنة إلى مقدرتها على إحداث خسائر جسيمة في جسم منطقة الخليج العربي، ناهيك عن الأهداف الاستراتيجية الأميركية في المنطقة وما تطاله يداها؟».
الجواب يحتاج إلى قراءة عميقة أخرى، إلا أن الاستنتاج المؤكد في كل الأحوال يقول بأنه إن لم تتم الإطاحة بالنظام الإيراني من الداخل، أو حدوث حرب مدمرة ضد إيران، فسيبقى الملالي طويلاً جداً شوكة في خاصرة المجتمع الدولي، ومهدداً مرعباً حال امتلكوا السلاح النووي.
ولأن سيناريو الحرب المدمرة غير مأمون العواقب، وواشنطن لا تتطلع إليه، على الأقل في عام الانتخابات الأميركية، فإن هناك من يراهن على نجاح سيناريو آخر، يمكن أن يدعم تيار «الإيرانيين الجدد»، أولئك الرافضون لسطوة الملالي في الداخل.
السيناريو هنا مشابه لما قامت به أميركا وأوروبا لدعم دول أوروبا الشرقية في مواجهة الستار السوفياتي الحديدي خلال الحرب الباردة، وقد لفت إليه الأيام القليلة الماضية أول رئيس لإيران بعد الثورة، أبو الحسن بني صدر، في لقاء مع هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية «بي بي سي»، ومن خلال برنامج «المشهد» الذي تقدمه الزميلة الإعلامية جيزيل خوري.
بني صدر يتحدث عن دستور إيراني جديد تم إعداده، يشتمل على حقوق الإيرانيين في مواجهة تغوّل السلطة الدينية، دستور بمثابة خريطة طريق ومخطط يخلق وحدة توجه بين جميع انتماءات الإيرانيين: اليساريين، والوطنيين، والدينيين المعتدلين.
التجربة الإيرانية التاريخية تعلمنا أن في كل مرة اتحدت هذه التوجهات الإيرانية الثلاثة، تمكن الإيرانيون من تغيير أنظمة، وفي كل مرة تعارضت هذه التوجهات، خسر الإيرانيون فرصة التغيير، وتمت إعادة إرساء الديكتاتورية.
هل يساعد العالم الإيرانيين الجدد للخلاص من ربقة آيات الله، من خلال دعم خريطة طريق إيرانية داخلية لحين إشعار آخر؟