تيلر كوين
TT

«كورونا» وتدمير سلسلة الإمداد العالمية

تواجه سلسلة الإمداد العالمية، التي ترزح بالفعل تحت ضغط الحرب التجارية التي يشنّها الرئيس ترمب، حالياً ضغطا أكبر بسبب فيروس كورونا؛ ففي الوقت الذي تتمتع فيه سلاسل الإمداد العالمية بقوة أكبر مما تبدو عليه، إذا انهارت، فسوف يحدث ذلك فجأة ودون سابق إنذار.
فلننظر في سلسلة الإمداد الخاصة بـ«آبل آي فون»، والتي تضم وتمتد عبر عشرات الشركات وعدة قارات؛ تدرّ سلاسل الإمداد العالمية المعقدة أرباحا كبيرة نسبيا مما يمنحها نوعا من الحصانة من صور العرقلة البسيطة. في حال فرض ضريبة، أو تعريفة جمركية، أو تحول في أسعار الصرف بشكل مفاجئ، يمكن لسلسلة الإمداد بوجه عام تحمل التكاليف ومواصلة العمل. سوف تكون الأرباح أقل داخل سلسلة الإمداد، لكن الإنتاج سوف يستمر، فهي مربحة بدرجة تحول دون اللجوء إلى إغلاق كل شيء ببساطة.
مع ذلك لا تنخدع بكل ذلك، فسلاسل الإمداد تلك ليست محصنة ضد الدمار، ففي حال كانت التكاليف الجديدة مرتفعة كثيرا أو المخاطر كبيرة جدا، فسوف ينهار هذا البناء تماما. لا تنهار سلاسل الإمداد ببطء بحكم طبيعتها، لأنَّ كل جزء من السلسلة يعتمد على أجزاء أخرى ليضيف قيمته. على سبيل المثال، لن يكون من المفيد كثيرا توافر مكونات دائرة كهربائية لهاتف «آي فون» إذا لم يكن من المتاح إنتاج الشاشات الزجاجية الخاصة به. بهذه الطريقة تكون سلاسل الإمداد أضعف في ظل الظروف القاسية.
كذلك لم تتفكك سلاسل الإمداد العالمية حتى الآن؛ ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى ازدهار التجارة والرخاء، لكن وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، يواجه الاقتصاد العالمي حاليا احتمالا حقيقيا لانقطاع كثير من الصلات والعلاقات التجارية.
طبيعة سلسلة الإمداد العالمية تجعلها ضعيفة وهشة بشكل خاص أمام الصدمات الناتجة عن فيروس كورونا. لا تستطيع تلك السلاسل التكيف بما يكفي لسدّ أي عجز أو نقص في المواد أو القوى العاملة، وهو ما قد يحدث إذا استمرت الإصابات بفيروس كورونا في الصين، وشهدت أماكن العمل صعوبة في مواصلة عملها بشكل فعّال.
تصور عدم تمكن المصانع الصينية المغلقة من إنتاج مكونات كثير من الأدوية الأميركية. لا تتمثل المسألة في خسارة سلسلة الإمداد قدرا من الأرباح، بل عدم توافر عناصر مهمة وحيوية في عملية الإنتاج، فلن تنفع العقاقير دون تلك المدخلات والعناصر. ربما تحاول المؤسسة الطبية الأميركية الحصول على تلك المكونات من مصدر آخر، لكن ليس من السهل على الموردين الآخرين إنتاج ما يكفي منها على نطاق كافٍ، وبجودة عالية. وربما يحاول منتجو العقاقير الأميركيون التنافس بدرجة أكبر على مكونات العقاقير الصينية، لكن إذا تم منع العمال من الذهاب إلى المصانع، فلن يكون هناك أي سعر تصفية معقول يجعل هذا الترتيب ناجحا، حيث لن يكون هناك أي إنتاج. كذلك يمكن للممارسات الشائعة الرائجة، التي تتضمن عدم الاحتفاظ بأي مخزون من السلع، أن تساعد في ظهور هذا النقص في المعروض من المواد بسرعة أكبر. تعتمد نحو 80 في المائة من المواد الدوائية الفعالة التي تدخل في تصنيع العقاقير الأميركية على مكونات صينية أو هندية، وهذا يمثل في حد ذاته خطرا حقيقيا على الصحة العامة بالنسبة للولايات المتحدة، وحتى وإن لم يمثل فيروس كورونا خطرا عليها.
بطبيعة الحال ربما يتبين ضعف وضع الهند أمام فيروس كورونا بسبب كثافتها السكانية المرتفعة، والمستوى المتدني نسبيا للمؤسسات الطبية العامة. تشغل الصين المركز الثاني من حيث الاقتصاد على مستوى العالم، لكنَّها ليست الحلقة الوحيدة الضعيفة في سلسلة الإمداد العالمية في هذا السياق. على العكس من ذلك، كانت سلاسل الإمداد الأقل عالمية أقل ضعفا وهشاشة أمام هذه الأنواع من المخاطر. لو كان إنتاج مكونات العقاقير يواجه خطرا داخل حدود الولايات المتحدة، لكان بمقدور المسؤولين الأميركيين اتخاذ إجراءات تنظيمية أو تتعلق بالشركات الخاصة للمساعدة في استمرار عملية التوريد، لكن ليس لدى المسؤولين الأميركيين أي قدرة على التحكم في الظروف والأوضاع الموجودة في الصين أو الهند.
الأمر المرجح بدرجة أكبر حتى هذه اللحظة، هو أن سلاسل الإمداد الدولية سوف تظل صامدة وقادرة على توفير السلع في أغلب الأحوال، لكن يتزايد احتمال إخفاقها في ذلك بدرجة كبيرة مع تعزيز الحرب التجارية، وانتشار فيروس كورونا لقوة مؤيدي تفكيك الشبكات التجارية العالمية. وفي حال حدوث ذلك فسيكون من المرجح أن يتم بشكل مفاجئ من دون أي حماية، من خلال أسعار السوق أو أي إنذار مسبق. كلما ازداد اعتقاد الناس بأن سلاسل الإمداد العالمية المعقدة المحفوفة بالمخاطر، ستبدو أكثر هشاشة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»