حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

رحيل قابوس

بعد مسيرة حكم امتدت لخمسة عقود، ودع العالم السلطان قابوس بعد حياة حافلة بالإنجازات ومسيرة مميزة من الإنجازات.
عانى السلطان الراحل من مصاعب مرضية كبيرة نتيجة المرض العضال الذي أصابه منذ فترة من الزمن، وتسبب في الحد من ظهوره في المناسبات العامة. ومع ظهور علامات المرض بشكل واضح بدأت سلسلة من التكهنات بخصوص خلافته، وخصوصا أنه لم يكن لديه وريث للمنصب ولا ولي للعهد. ترك الأمر لقرار العائلة الحاكمة لتقرر من يأتي بعده ويخلفه، وفي حالة عدم الاستقرار على اسم وقرار بهذا الشأن يلجؤون إلى وصية قد تركها وفيها اسم الشخص الذي اختاره السلطان قابوس بنفسه.
وهذا ما حدث، فبعد الوفاة اجتمع مجلس العائلة وبدون مقدمات اختاروا اللجوء إلى وصية الراحل، الذي كان قد اختار هيثم بن طارق آل سعيد وزير الثقافة وخريج جامعة أكسفورد، وهو ابن عم السلطان الراحل ويبلغ من العمر 65 عاما. وتدرج في مناصب عدة ومحبوب ومحترم بين أوساط العمانيين. ولقي الاختيار الارتياح والاستحسان. وكان عهد السلطان قابوس يتسم بتحديات كبيرة مهمة من أهمها مواجهة الجهل والخرافات والأمية، فاهتم بشكل كبير جدا بالعلوم والتعليم للجنسين. وحرص على مسك العصا من النصف في كل القضايا السياسية، وبقيت بلاده مفتاحا وسيطا لحل الخلافات في قضايا شائكة مختلفة.
واجه وحيدا (باستثناء السودان) مقاطعة العرب لمصر السادات بعد اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأبقى خطوط التواصل مع إسرائيل بدون علاقات دبلوماسية معها، وفتح خطوط تواصل دبلوماسي قوي مع إيران، وحافظ على علاقات مهمة مع الهند والصين وعلاقات قوية راسخة مع دول الخليج العربي. اهتم بالاستمرار في التواصل مع العمق الأفريقي، وهو الذي كانت جزيرة زنجبار جزءا منه قبل انضمامها لتنزانيا، وظل معنياً بتطوير العلاقات الاقتصادية مع القارة السمراء بما في ذلك دولة جنوب أفريقيا حتى خلال حقبة الأبارتايد. اهتم الراحل بالفنون والأدب والبيئة وأسس لها الصروح والكيانات الداعمة لها بشكل مبهر ومفيد. الانتقال السلس والحضاري للحكم الذي حصل في عمان، هو انعكاس للشخصية العمانية التي تم تكريسها خلال الفترة الماضية برفع قيم السلام والتسامح وقبول الآخر والعلم ونبذ العنصرية والتعصب. عمان تحكمها أسرة حاكمة منذ 1741. وهي بذلك تعتبر من أقدم الأسر الحاكمة في العالم، والإرث الحضاري المهم الذي تركه الراحل السلطان قابوس من مدنية وعلم وتسامح هو قاعدة مهمة جدا للبناء عليها والاستمرار بها. والخطاب الذي ألقاه السلطان الجديد هيثم بن طارق يطمئن المتلقي بما جاء فيه من كلمات ورسائل اختيرت بذكاء وحكمة وعناية في عالم مضطرب، كان الانتقال الحضاري والسلس للسلطة في عمان مصدر تفاؤل وطمأنينة.