حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

جولة وحرب!

الجولة الأخيرة من المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، هي تذكير بالتوتر والقلق اللذين يحكمان العلاقة بينهما منذ زمن بعيد جداً. فإيران تفهم أن أميركا قادت انقلاباً ضد حكومة «مصدّق» المنتخبة شعبياً وديمقراطياً وأسقطتها عن طريق وكالة الاستخبارات المركزية، في حين كانت أميركا تعتقد أن هذه الحكومة ما هي إلا جزء من منظومة تميل إلى احتضان المعسكر السوفياتي الاشتراكي المتسع النفوذ وقتها، وطبعاً كان ذلك بحكم القرب الجغرافي، بالإضافة إلى عوامل أخرى. ثم جاء حكم الشاه، وكانت العلاقة مع أميركا فيها الكثير من الشد والجذب حتى استغل الشاه نفوذه وقوته بعد ارتفاع أسعار النفط الكبير في أعقاب حرب 1973 ومقاطعة تصدير النفط، وبدأ ارتفاع الأسعار يسبب ردة فعل عنيفة في المعسكر الغربي، وسقطت حكومات يمينية وصعدت أخرى يسارية اشتراكية.
وحاولت أميركا إبان حقبة الرئيس الأسبق جيرالد فورد أن تضغط على الشاه لحثه على أسعار أكثر عقلانية لسعر برميل النفط، وقامت بإقناع دول أخرى بذلك، وهبط سعر النفط وكثرت المظاهرات في بلاده، وظهر من فرنسا صوت طائفي متطرف يدعو لإسقاط النظام، وتم تدعيم صوته وصورته في الإعلام الغربي.
جاء الخميني وانقلب على ثورته وأشعل بلاده والمنطقة بمخططات الشر؛ إذ قبض على أنصاره في الحكومة وأعدم آخرين وهرب من بقي. اخترع ولاية الفقيه لتبرير بقائه في الحكم. احتجز طاقم السفارة الأميركية بشكل غير مسبوق متجاوزاً كل الأصول والأعراف، وشن حرباً لمدة ثماني سنوات ضمن ثورته السوداء في المنطقة، وأطلق الميليشيات والجماعات الإرهابية، ولوث أقدس مواسم المسلمين، الحج، بالمسيرات والشغب والقتل.
استمرت المواجهات مع أميركا بأشكال مختلفة، وقويت حجج أميركا بمشاغبات إيران لتؤكد أنها عدو بامتياز، وهذه المكانة كانت إيران تستغلها داخلياً لترويج مظلوميتها السياسية، لكنها في الوقت نفسه كانت تمكن النظام من أن يكون أشد بطشاً وأكثر دموية وصولاً لقرار الرئيس الأسبق جورج بوش الابن بغزو العراق، وهو الذي تم بالتنسيق والاتفاق مع إيران، واستغلته الأخيرة سياسياً أفضل استغلال وصولاً إلى الاتفاق النووي مع إدارة باراك أوباما بعد مباحثات كبيرة، لكن وصول الرئيس الحالي دونالد ترمب إلى سدة الحكم بقناعة شديدة أن الاتفاق هو الأسوأ لأميركا، وأن إيران لا تزال مصدراً للشر، هو الذي جعل من إيران تقع في الفخ الذي نصب بعدم إدراك من قِبل البعض في العراق الذين سمحوا لقادة «الحشد الشعبي» بأن يفتحوا الطريق للساحة الخضراء أمام المتظاهرين للوصول إلى السفارة الأميركية، وهو الأمر الذي اعتبره ترمب إهانة لن تمر بسلام وراح ضحية الغرور هذا قاسم سليماني وزمرته الشريرة التي معه.
إيران التي أنجبت العطار والخيام والرومي ذات يوم هي نفسها التي تقدم للعالم اليوم خامنئي وروحاني وسليماني. شتان الفرق ما بين الاثنين. جولة من الصراع بين أميركا وإيران، لكن الحرب لا تزال قائمة بوسائل شتى.