زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

قصة عشق الآثار

أسافر إلى الولايات المتحدة دائماً في شهر أغسطس (آب) من كل عام بدعوة من جمعية خيرية يطلق عليها اسم «مغامرات في العقل»، وهذه الجمعية تقوم بدعوة 150 من الشباب من خريجي الثانوية العامة، ومن المتفوقين في كل الولايات الأميركية، وتتم دعوتهم لمدة 5 أيام لكي يعيشوا داخل إحدى المدن الجامعية الملحقة بالجامعات، وفي الوقت نفسه تتم دعوة نحو 30 شخصية أميركية من المشاهير في كل فروع العلم والفن والثقافة والسينما، وأنا الأجنبي الوحيد المنضم إلى هذه المجموعة. ونعيش مع الطلاب لكي نحكي لهم قصة نجاحنا، ونتحدث معهم عن أعمالنا، وأنا أنصحهم بنصيحة واحدة وهي «العشق»، وأقول إن العشق يجعل من وظيفتك الصغيرة أهم مهنة في الدنيا. وأحكي لهم قصتي عندما كنت في الثانوية العامة؛ إذ كان من أحلامي أن أصبح محامياً، ولذلك توجهت إلى كلية الحقوق جامعة الإسكندرية وأنا في الـ16 من عمري، واشتريت في اليوم الأول للدراسة بعض كتب القانون، وذهبت إلى المدينة الجامعية، وبدأت أتصفح الكتب، ولم أجد لديّ أي تجاوب مع القانون ولا كتب القانون، لذلك فقد توجهت في اليوم التالي إلى الكلية لأعيد الكتب، وأحوّل أوراقي إلى كلية الآداب، ودخلت قسم الآثار بالمصادفة، وأنا لا أعرف مستقبل من يتخرج في هذا القسم.
وعشت داخل الجامعة أربع سنوات ولم أكن طالباً متفوقاً، بل كنت طالباً عادياً جداً، وتخرجت بدرجة مقبول، وحصلت على وظيفة حكومية يحصل عليها أي خريج سواء كان متفوقاً أو عادياً. ولم أتحمس للعمل في مجال الآثار، وحاولت أن أحول إلى السياحة أو الخارجية، وفشلت وعدت إلى الآثار مرة أخرى ليقابلني الدكتور جمال مختار، وكان رئيساً لهيئة الآثار في ذلك الوقت، يحذرني من الوجود في القاهرة لأن هناك قراراً بأن أذهب للعمل في الحفائر، وذهبت خوفاً من العقاب، وهناك في الصحراء عثر العمال على مقبرة وطلبوا مني الحضور للإشراف على حفر المقبرة، وفي منتصف الحفائر وجدت تمثالاً وبدأت أنظفه، ثم وجدت نفسي أقول داخلي: «عثرت على حبي»، ولذلك عشقت الآثار. وعشق الآثار جعلني أنظر إلى الأهرامات مثل العاشق الولهان الذي ينظر إلى حبيبته، وبدأ قلبي ينبض بالحب والعشق لهذا العالم الغريب: الفراعنة.
العشق الذي جعلني أعيش بين المقابر والمعابد... عالم الفراعنة بكل عجائبه ومعجزاته، وجعلني هذا العشق أحس بأن الحجر ينطق معجزات وعجائب هؤلاء العظماء، بل أحياناً ما تبوح لي مومياء مجهولة الاسم بأسرار حفظتها لآلاف السنين، واختارتني أنا لكي تبوح بسرها.
عشق عالم الفراعنة يطوف معي العالم كله وأنا أحكي قصة أعظم حضارة إنسانية عرفها التاريخ من خلال السراديب المظلمة التي كشفت عنها في حفائري، وباحت بالكثير من الأسرار. أحسست وأنا داخل مقبرة على عمق 20 متراً أسفل الأرض وبداخلها مومياوات أنني أرقص معها. هذه هي قصة العشق مع الفراعنة، هي قصة لكل شاب في مستقبل حياته.