إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

هاتف ستالين وزرافة محمد علي

إنه موسم أعياد رأس السنة، والهدايا تحاصر العباد حيثما توجهوا، في التلفزيون والواجهات وتحت شجر الميلاد يا بهية؛ علب ملفوفة بورق ملون ومربوطة بشرائط ذهبية وحمراء. وها هو تقرير لطيف عن أشهر الهدايا في التاريخ. وفيه أن تشي غيفارا، أيقونة ثوار جيلنا، بعث بهدية سريّة إلى جون كيندي: علبة من السيجار الكوبي الفاخر؛ بضاعة من إنتاج «العدو» ممنوعة في الولايات المتحدة. لكن الرئيس الأميركي أحبّ السيجار، وكان يدخنه في ساعات الاسترخاء. وأورد صحافيان أميركيان قصة الهدية في كتاب، وجاء في التفاصيل أن كيندي تلقاها عام 1961، ولم يكن قد مضى على دخوله البيت الأبيض سوى ستة أشهر. يومها، كان غيفارا في كوبا يدير سياستها مع رفيقه كاسترو.
مع السيجار، داخل العلبة، كانت هناك رسالة تتضمن مقترحات لتطرية العلاقات بين البلدين، منها تعويض الشركات الأميركية التي تضررت من قرارات التأميم في كوبا. هل دخّن كيندي سيجار الثوار أم تلقفه رجال المخابرات المركزية وأحالوه إلى مختبر فحص السموم؟ المؤكد هو أن دخانه ذهب مع الريح، ولم يسفر الرماد عن التقريب بين الطرفين.
هناك، أيضاً، الهدايا التي تلقاها ستالين من باريس، بمناسبة عيد ميلاده السبعين، في مثل هذه الأيام من عام 1949. كانت شعبية الزعيم السوفياتي كبيرة، وواحد من بين كل أربعة مواطنين يمنح صوته للحزب الشيوعي الفرنسي. وهكذا، جمع الحزب ثلاثة آلاف هدية من المطرزات والمنسوجات والحلويات والدمى والرسائل التي كتبها تلاميذ المدارس، وبينها تخطيط بالفحم رسمه بيكاسو يمثل قدح نبيذ مع عبارة: «في صحتك». وكان هناك أيضاً فيلم بعنوان «أكثر رجل نحبه»، أنجزته مجموعة من السينمائيين الفرنسيين، وكتب الشاعر بول إيلوار التعليق المصاحب للفيلم وقرأه بصوته. ولإيصال كل تلك الهدايا تم تسيير قطار خاص إلى موسكو.
فرح ستالين بعواطف الفرنسيين، لكن الهدية الأجمل جاءته من عمال بولندا. صنعوا له جهاز هاتف من النوع القديم الذي تدار أرقامه بالإصبع. وكان مصمماً على شكل كرة أرضية، والسماعة منجل يستقر فوق مطرقة. وبعد أربع سنوات، رحل ستالين، وذهبت الهدية إلى المخازن. وبعد وفاته، تكشفت حقائق عن مجازر جرت في عهده، وتحول من «أكثر رجل محبوب إلى أكثر رجل مكروه في الكون». وهذه ليست من عندي، بل من التقرير المنشور في الصحيفة.
أحبّ ملوك فرنسا، وبعض رؤساء جمهوريتها، تلقي الهدايا الغريبة والاستثنائية، ومنها الأحجار الكريمة من الهند، والحيوانات الاستوائية من أفريقيا. ومعروفة فضيحة فصوص الماس التي تلقاها الرئيس جيسكار من الإمبراطور بوكاسا. وأشهر منها حكاية الزرافة التي أهداها حاكم مصر محمد علي إلى الملك شارل العاشر. وصلت إلى مرسيليا عام 1826، وأثار هبوطها من الباخرة عاصفة من الحبور في الميناء. صارت الزرافة أعجوبة تقطع المدن والقرى الفرنسية فيما يشبه الزفّة، حتى وصولها إلى «جنينة النباتات» في باريس.
وفي 1959، صنع الساعاتي الفرنسي فريد ليب أول ساعة تعمل بالبطارية. أهداها إلى الرئيس ديغول، وردّ الرئيس برسالة شكر، جاء فيها: «بفضل هديتك صار في مقدوري أن أحسب الساعات المعدودة عليّ»، لكن الجنرال المعروف بتقشفه لم يستخدم الساعة المذهبة إلا للمجاملة. وفي الصيف الماضي، بيعت في مزاد علني بمبلغ 32 ألف يورو.