شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ماذا يحدث مع خروج الإنترنت من الولايات المتحدة؟

يتعين على الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة أن تأخذ في حسبانها شبكة الإنترنت التي أصبحت أقل «أميركية» مما كانت عليه.
قال بعض المشرعين الأميركيين – على جانبي الطيف الحزبي المنقسم سياسياً – إنهم تساورهم الشواغل بشأن تطبيق «تيك - توك»، ذلك الذي يسمح للمستخدمين بتسجيل ومشاركة المقاطع الترفيهية الموسيقية الصغيرة عبر شبكة الإنترنت. وذاع انتشار التطبيق على نطاق واسع في الولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى في الآونة الأخيرة؛ مما أثار قدراً من القلق بشأن ملكية التطبيق التي تعود إلى شركة «بايت دانس» للإنترنت الصينية.
وتجري الولايات المتحدة راهناً مراجعة شاملة لاعتبارات الأمن القومي بشأن تطبيق «تيك - توك»، وتدرس لجنة استثمارية أجنبية ما إذا كان ينبغي إجبار الشركة الصينية المالكة للتطبيق على الرجوع في عملية استحواذ أسفرت عن وصول التطبيق الصيني إلى داخل الولايات المتحدة الأميركية. وأصدرت قيادة القوات البحرية الأميركية إخطاراً إلى أفرادها خلال الأسبوع الحالي بحظر استخدام التطبيق الصيني على الهواتف الذكية الصادرة من قبل الحكومة الأميركية؛ نظراً لما يشكله من مخاطر على الأمن السيبراني مما لم تفصّله القيادة الأميركية بمزيد من التصريحات.
ودخل التطبيق الصيني في مهمة عسيرة للتخفيف من المخاوف الناجمة عن ملكيته للشركة الصينية، وذلك من خلال مزيد من التواصل مع الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة. كما اتخذ التطبيق خطوات أخرى تمثلت في إجراء التغييرات الهيكلية لإنشاء فصل بين التطبيق من الناحية التقنية وبين الصين من الناحية السياسية. وتبدو بعض هذه الجهود غير مجدية ولا نافذة المفعول في خضم الشواغل الراهنة.
ولا أعلم ما إذا كان التطبيق الصيني يشكل تهديداً حقيقياً من عدمه. ولا أعلم ما إذا كان يجمع البيانات عن المستخدمين الأميركيين لصالح الحكومة الصينية من عدمه. ولقد كانت هناك تقارير إخبارية تفيد بأن التطبيق الصيني يقوم تلقائياً بمسح المواد خارج الصين والتي تعتبر غير مستساغة من قبل الحكومة الصينية، ومن ثم يساعد التطبيق على نشر وجهة نظر «مصححة» بشأن الصين خارج حدود البلاد. ويقول تطبيق «تيك – توك» حالياً إنه لا يحتفظ بالبيانات الخاصة بالمستخدمين الأميركيين في الصين، وإن الحكومة الصينية لا تراقب أو تراجع مجريات وفعاليات التطبيق العالمي.
ودخلت النقاشات بشأن تطبيق «تيك – توك» الصيني في الأوساط السياسية بالولايات المتحدة في حالة من الشد والجذب الأوسع نطاقاً بين الولايات المتحدة والصين، بيد أن القضية الأساسية لا تزال حقيقية. فهو ليس أول تطبيق أو خدمة من خدمات الإنترنت غير الأميركية التي تحصل على زخم كبير داخل الولايات المتحدة. وإنما هي المرة الأولى، في حقيقة الأمر، التي يضع الأميركيون نصب أعينهم ما الذي يعنيه وجود خدمة للإنترنت ذات شعبية هائلة وغير مملوكة لشركة أميركية في المقام الأول. وأعتقد أنها لن تكون المرة الأخيرة.
وهذه ليست من المداخل الجديدة بالنسبة لأغلب البلدان الأخرى. فهناك خدمات مثل «فيسبوك» وتوابعه من «إنستغرام» و«واتساب»، مع «غوغل» وخدمة «يوتيوب» التابعة لها، فضلاً عن «نيتفليكس»، و«تويتر»، والكثير من الخدمات والتطبيقات الرقمية الأخرى ذائعة الصيت وشائعة الانتشار حول أرجاء العالم كافة هي من نتاج أفكار الشركات الأميركية بالأساس. وأعربت الحكومات الأجنبية في بعض الأحيان عن انزعاجها من الهيمنة الكبيرة للشركات الأميركية على الإنترنت وخدمات الإنترنت؛ وذلك لأسباب قوية لها ما يبررها، وسعت كذلك لإجبار هذه الشركات الأميركية العملاقة على الامتثال للقوانين واللوائح المحلية لدى تلك البلدان.
ومن المفهوم في غالب الأمر أن تساور الحكومات الأخرى بعض الشواغل بشأن خدمات الإنترنت الأميركية. كما أنه من المفهوم على نحو مماثل لدى الحكومة الأميركية أن تدرس على نحو وثيق الآثار المترتبة على الزخم الكبير الذي تحققه خدمات الإنترنت من بلدان أخرى مثل روسيا أو الصين داخل الولايات المتحدة. وما أتساءل بشأنه هو ما إذا كان ما يحدث الآن عبارة عن إعلان صريح بأن إحدى شركات الإنترنت لا يمكنها العمل بحرية في الولايات المتحدة إن كانت ناشئة لدى دولة بينها وبين الولايات المتحدة خلافات جوهرية تتعلق بالسياسات الحكومية أو القيم الاجتماعية.
وثار قدر معتبر من القلق لدى الأوساط التكنولوجية عبر سنوات بشأن تقسيم العالم بأسره عبر نسختين أو أكثر من نسخ الإنترنت. فهناك النسخة الأميركية، التي تتمتع بقدر كبير من الحرية والمجانية، والتي تحولت بصورة أو بأخرى إلى الواقع الافتراضي العالمي. ولدينا أيضاً النسخة الصينية، أو ما يُعرف بالعالم الموازي للعالم الافتراضي الأميركي، الذي تُفرض فيه الرقابة الصارمة عن الأنشطة والتعبير من قبل الحكومة، والذي تُمنع الشركات الأجنبية من الوصول إليه والعمل فيه إلى درجة كبيرة. كما يتحدث الناس في بعض الأحيان أيضاً عن النسخة الأوروبية من الإنترنت، وربما تكون هناك نسخة هندية قادمة أيضاً، مع معايير سلوكية وأداء مؤسساتي يتفق لزاماً مع الأولويات والتوجهات الحكومية.
من ناحية، أنا مواطنة أميركية، وأفضّل تماماً العيش وفق الإنترنت على الطريقة الأميركية بدلاً من تلك النسخة المتطابقة مع فيتنام، حيث السيطرة الكاملة على الإنترنت من قبل أجهزة حكومية استبدادية. ومن ناحية أخرى، تختلف الأنظمة الضريبية من دولة إلى أخرى، على ضوء اختلاف الأولويات السياسية لكل حكومة من الحكومات. فهل ينبغي على سياسة الإنترنت أن تكون مختلفة تماماً عن السياسة الضريبية؟ (هناك أسباب تكنولوجية مشروعة تجعل من الصعب الحصول على خدمات الإنترنت من دولة إلى أخرى).
كان لزاماً على كل من «فيسبوك»، و«غوغل»، و«أبل»، و«نيتفليكس» أن تعاني الأمرّين عند محاولة تحقيق التوازن بين الالتزام بالمبادئ الأميركية مع الامتثال للمعايير والقوانين والقيم المختلفة في بلدان العالم كافة التي تعمل فيها. وربما يعني ذلك أنه يجب على الشركات التراجع عند الاعتقاد بأن مبادئ العمل لديها معرضة للمخاطر بدرجة أكثر من اللازم، وقد يعني ذلك أيضاً أنه لا ينبغي على الشركات التعامل في بعض الأماكن التي تتعارض فيها القواعد بصورة أساسية مع معتقدات ساسة ومواطني البلدان الأخرى.
ليست هناك إجابات سهلة ويسيرة بالضرورة؛ إذ تواصل شركات الإنترنت الأميركية الفشل في تحقيق التوازن المطلوب خارج حدود الولايات المتحدة، ويتعين عليها مواجهة سيل من الانتقادات من مختلف وسائل الإعلام، والمشرعين الأميركيين، وغيرهم من الجهات الخارجية عندما يحدث ذلك.
ويجب على شركة «بايت دانس» الصينية أن تلقى القدر نفسه من الفحص والتحقق عندما تطأ قدماها خارج الحدود الصينية. ويتعين على شركة «بايت دانس» وتطبيق «تيك – توك» معرفة كيفية أن تكون شركة صينية لا تعمل على الدوام وفقاً لمعايير الإنترنت الداخلية الصينية. وهذا ليس من الأمور التي أجبرت شركات الإنترنت الصينية على التعامل معها حتى وقت قريب. فإن شركات الإنترنت الكبيرة في الصين – من شاكلة شركات «تينسينت»، و«ويبو»، و«دوبان»، و«بايدو» – كانت تعمل لأجل الصين أو المغتربين الصينيين في الخارج على نحو كبير. وبدأ هذا الواقع في التغير مع وصول تطبيق «تيك - توك»، وتطبيقات أخرى مثل: كوايشو أو كواي.
وتواجه شركات الإنترنت الصينية، مع الساسة والمواطنين في الولايات المتحدة تحديات مماثلة؛ إذ عليهم الاهتمام بكيفيات تفكير وسلوكيات بقية دول العالم بعد عزلهم عن هذه الحقائق لفترة طويلة من الزمن.
ولا أعلم الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذا الأمر في بلادي، الولايات المتحدة، لكنه من الأمور التي طال انتظارها كثيراً بالنسبة للمواطنين والمشرعين الأميركيين حتى يأخذوا الأمر على محمل الجدية، وليس على محمل الذعر الفارغ من المبررات، من حيث كيفية التعامل مع التطبيقات الرقمية التي تنشأ من بلد من البلدان لا يشاركنا قيمنا وأساليب حياتنا في قليل أو كثير.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»