جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

القوة الفضائية الأميركية: خطوة جديدة في جهود عسكرة الفضاء

ربما تكون فكرة سخيفة في حينها، ولكنها الفكرة التي حان وقت طرحها. إليكم ما ينبغي معرفته عن القوة الفضائية الحقيقية.
مع التصديق الأخير على مشروع قانون الدفاع الكبير في هذا العام، وافق الكونغرس الأميركي على إنشاء الفرع السادس من أفرع القوات المسلحة الأميركية - قوة الولايات المتحدة الفضائية. وتعكس هذه الخطوة تزايد جهود عسكرة الفضاء، مع ارتفاع اعتماد الأفرع العسكرية الأخرى على العمليات هناك. وعلى الرغم من الانتقادات والتهكمات اللاذعة بشأن الأمر، إلا أن فكرة القوة الفضائية من الأفكار التي حان وقتها بالفعل. ولكن من المفهوم أن يثور عدد من التساؤلات لدى الرأي العام : كيف سوف تكون هذه القوة الجديدة وماهيتها؟ وما هي المهام التي سوف توكل إليها؟
جدير بالذكر أن الولايات المتحدة لم تنشئ فرعاً جديداً من أفرع القوات المسلحة منذ إنشاء القوات الجوية في عام 1947. وفي حين أن تلك الخطوة لم تسلم من الجدل الذي ثار بشأنها في تلك الأوقات، إلا أن تلك الخطوة أكدت تماماً على حقيقة تحول القوات الجوية من سلاح ناشئ إلى مجال العمليات الجوية الكبيرة والمعقدة بصورة متزايدة. واستلزم الأمر توافر كوادر من الخبراء المجال الحقيقيين الذين يواصلون التفكير والتخطيط وتأمين شراء المعدات اللازمة والقيام فعلياً بمهام الطيران الحقيقية في ذلك المجال الجديد آنذاك - جنباً إلى جنب مع القوات البحرية في البحار والقوات البرية على الشواطئ.
وهذا هو نفس الأساس المنطقي لقوة الفضاء الأميركية الجديدة. ومع اعتبار التعقيدات المصاحبة وحجم العمليات الكبيرة في الفضاء، فإن هذا المجال يتطلب بدوره تركيزاً كافياً ووافياً للمهام الجديدة. وعلى العكس من روسيا والصين، اللتين لدى كل منهما قوات فضائية مخصصة، إلا أن الولايات المتحدة قد اعتمدت إلى حد كبير على القوات الجوية الأميركية في إدارة العمليات الفضائية، مع جهود أخرى مساندة من قبل القوات البرية والبحرية. وفي كثير من الحالات، يضع هذا الموقف القوات الفضائية في وضع غير مؤات بالنسبة إلى القوات الجوية التي تهيمن عليها المقاتلات والقاذفات.
من شأن المهمة الأساسية للقوات الفضائية الاضطلاع بتدريب، وتجهيز، وتنظيم القيام بالعمليات العسكرية في الفضاء الخارجي. ويعني الأمر الاستعانة بالكوكبة الهائلة من الأقمار الصناعية العسكرية الأميركية (التي تُدار في الآونة الراهنة بالأفرع العسكرية كل وفق مهمته ووظيفته)؛ وتشغيل منشآت الإطلاق لدى الجيش مثل قواعد القوات الجوية في فاندنبرغ بولاية كاليفورنيا وأماكن أخرى متعددة، وتنفيذ التخطيط المالي وبرامج شراء الأقمار الصناعية ومعدات الدعم الأرضية، وقبل كل شيء، تدريب الكوادر المتخصصة من ضباط وجنود الفضاء من الرجال والنساء.
ولسوف تبدأ القوة الفضائية الأميركية صغيرة بعدد لا يتجاوز بضع مئات من المتخصصين، وربما يخضعون لقيادة قائد العمليات الفضائية (وهو المنصب الذي يشبه قائد القوات البحرية، ورئيس العمليات البحرية). ومع مرور الوقت سوف ينمو الفرع العسكري الجديد وصولاً إلى 10 آلاف إلى 15 ألفاً من المدربين، والمشغلين، والقادة، الذين تتمحور مهمتهم في توفير الإمكانات الفضائية لعشرة من القادة المقاتلين في جيش الولايات المتحدة الأميركية - تلك المهام التي تتم توليتها على مستوى الجنرال ذي الأربع نجوم في أميركا اللاتينية، وأوروبا، وحلف شمال الأطلسي. وخلال السنوات السبع التي قضيتها في القيادة، كنت أتمنى أن أملك المقدرة على الاتصال بجنرال زميل من مستوى النجوم الأربعة في قيادة الفضاء لأنقل له حاجتي إلى المزيد من المراقبة، والاتصالات، والاستهداف. ولسوف يتمكن خلفائي من القيام بذلك من دون شك.
ومع ذلك، لدي ثلاث نصائح أود التقدم بها لرئيس العمليات الفضائية الأميركي الجديد :
أولا، دراسة التاريخ جيداً، ودراسة تاريخ إنشاء القوات الجوية الأميركية منذ عام 1947 مع تطوير سلاح مشاة البحرية الأميركية، ستوفران دورساً قوية ومؤثرة. مع تعلم ما كشفت عنه السنة الأولى مع العقد الأول من العمليات لدى القوات الجوية الأميركية، ودراسة السجلات بعناية للوقوف على مواطن الخطأ ووضع الخطط المعنية بتفادي تكرارها. ومن بين هذه العثرات اعتبار ما إذا كانت الأفرع العسكرية سوف تقاوم التخلي عن الموارد، وما إذا كان رؤساء الأركان المشتركة سوف يهتمون بمعاونة العضو الجديد، وما هو الدور الذي لا بد من أن يلعبه الكونغرس في التعزيز المبدئي للفرع العسكري الجديد. وعلى نحو مماثل، تأتي دراسة تاريخ إنشاء قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) - والتي ظلت مجرد ملحق صغير إلى القوات البحرية حتى الحرب العالمية الأولى ثم الثانية والتي أرست الحاجة الماسة إلى العمليات البحرية البرية على نطاق كبير.
ثانياً، اعقد العلاقات الراسخة منذ اليوم الأول، مع رئيسك - المفترض أن يكون قائد القوات الجوية - والأعضاء الآخرين في هيئة الأركان المشتركة. وبوصفك العضو الجديد في الجوار، سوف تحتاج إلى حس عال من التواضع، والتعاطف، وروح الدعابة حتى تتوافق مع النخبة الكبيرة من رؤساء الأفرع العسكرية الآخرين. وعلى نحو مماثل أيضاً، من الضروري بناء العلاقات الندية مع القادة المقاتلين العشرة في جيش الولايات المتحدة - وهم المستخدمون النهائيون للقوة الفضائية الجديدة في تنفيذ العمليات. ولا بد من العمل الوثيق مع قيادة العمليات الخاصة الأميركية، التي تملك عناصر التدريب، والتجهيز، والتنظيم، فضلاً عن المسؤوليات العملياتية، مما سيكون له فائدة خاصة مع مرور الوقت.
ثالثا، حاول العمل لقضاء فترة طويلة في المستويات العليا من القوة الفضائية الجديدة. وأحد أسباب نجاح البرامج النووية فالائقة التقنية في القوات البحرية الأميركية أن رئيس المفاعلات النووية البحرية قد خدم لمدة ثماني سنوات كاملة في هذا المنصب الأساسي. ولأجل إطلاق القوة الفضائية الجديدة، لابد من قضاء فترة أطول من مجرد أربع سنوات في الخدمة كقائد لهذا السلاح الجديد. وعلى نحو مماثل كما ذكرنا، سوف يكون قادة المستويات الأخرى من القوة الفضائية في مناصبهم لفترة أطول من المعتاد في الوقت الذي تترسخ فيه أركان القوة الجديدة في أرض الواقع.
وإجمالاً للقول، دعونا نتذكر أيضاً أن الرتب العسكرية لا بد أن تكون ذات صفة بحرية في المقام الأول. فالقوات المسلحة الأميركية ذات طبيعة «بحرية» وليست «برية» بالأساس وقبل كل شيء.
ولكن سواء انتهى بنا الأمر تحت قيادة الأدميرال البحري أو الجنرال البري في منصب قائد القوة الفضائية الجديدة، فمن الواضح تماما أن الفضاء، هذا المجال القتالي الحيوي الرابع، يستلزم فرعاً مخصصاً ومكرساً من القوات المسلحة الأميركية لإتقان تنظيمه وقيادته.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»