أليكس ويب
TT

هل تستطيع ألمانيا حظر «هواوي»؟

حتى من دون التهديد بالانتقام، يعتمد تطبيق شبكة الجيل الخامس في البلاد بشكل كبير على تكنولوجيا الشركة الصينية.
تريد ألمانيا تطبيقاً سريعاً لتقنية الجيل الخامس لضبط شبكة هواتفها الجوالة المتداعية. ومع ذلك، هناك مجموعة من النواب الألمان يريدون فرض حظر على الأجهزة والمعدات التي تصنعها شركة هواوي الصينية. ولا يمكن لألمانيا أن تتحرك على المسارين في ذات الوقت.
وهناك مقايضة لا مفر منها لدى أي دولة تفكر ملياً في فرض الحظر على أجهزة ومعدات الاتصالات من هواوي. والتمسك بالأجهزة والمعدات التي تنتجها الشركات المنافسة الكبيرة مثل نوكيا أو إريكسون أو سامسونغ قد يعني التقليل من خطر تعرض الشبكات الوطنية للتدخلات من جانب بكين. لكن، ومما يؤسف له، فإن ذلك يعني أيضاً إبطاء التحديثات اللازمة في هذه الشبكات نظراً للتفوق الواضح لدى شركة هواوي على هذا الصعيد التقني. وتقدر شركة دوتيشه تيليكوم - وهي أكبر شركة اتصالات في ألمانيا - أن فرض الحظر على الشركة الصينية من شأنه تأخير نشر شبكة الجيل الخامس في البلاد لمدة عامين على الأقل.
وفي حين أن الحكومات المختلفة، من بريطانيا وحتى الهند، تفكر ملياً في قرار فرض الحظر على شركة هواوي، فإن برلين باتت على المحك بما هو أكثر خطورة من أي دولة أخرى تقريباً. ويرجع ذلك في جزء منه إلى التغلغل العميق للشركة الصينية في الأسواق الألمانية. وفي حين أن شركة هواوي قد نفذت إلى ما يقرب من ثلث السوق الأوروبية لمعدات الاتصالات، إلا أنها توفر وحدها نصف الأجهزة والمعدات المطلوبة لدى شركة دوتيشه تيليكوم الألمانية.
وأفادت مجلة «فيرتشافستفوتشي» الألمانية المعنية بعالم المال والأعمال أن شركة دوتيشه تيليكوم تخطط للاستغناء عن مكونات هواوي الصينية من شبكتها الأساسية على مدار العامين المقبلين، وذلك من دون شك بسبب الضغوط السياسية الكبيرة التي تتعرض لها الشركة الألمانية. غير أن شركة تيليفونيكا الإسبانية، التي تشغل ثاني أكبر الشبكات اللاسلكية في ألمانيا، قد تخيرت في الأسبوع الماضي كلا من نوكيا وهواوي بصفتهما الموردين الرئيسيين لشبكات الجيل التالي الخاصة بها. وهذا هو السبب في أن العمل الأوروبي المتضافر بشأن شركة هواوي بات أكثر منطقية ومناسبة من العمل بصورة تدريجية.
وتملك ألمانيا واحدة من أسوأ شبكات الهواتف الجوالة في عموم أوروبا، وفقا لأبحاث أجرتها شركة «أوبن سيغنال» المعنية بعالم الاتصالات والشبكات. وفي جزء من المزاد الألماني لنيل حقوق شبكة الجيل الخامس في البلاد، فرضت الجهات الرقابية الألمانية أهدافاً صارمة للغاية فيما يتعلق بالتغطية القوية. والهدف من وراء ذلك يكمن في ضمان أن الشركات الصناعية في البلاد يمكنها الاعتماد على تقنية الجيل الخامس الجديدة في مواكبة أحدث الابتكارات في مجالات الذكاء الصناعي والحوسبة السحابية.
وعلى نفس القدر من الأهمية، تعتمد الكثير من الشركات الألمانية الكبيرة على الصادرات الصينية. إذ تعتبر الصين ثالث أكبر الوجهات التصديرية في ألمانيا؛ حيث تستحوذ وحدها على ما قيمته 10 مليارات دولار سنويا، وهي أكبر الأسواق المنفردة لشركات صناعة السيارات الألمانية كذلك، على شاكلة فولكس فاغن، وبي إم دبليو، ودايملر. ولذلك، فإن تصريحات السفير الصيني في برلين مؤخراً؛ حيث تعرض للانتقام الصيني من أي قرارات لحظر شركة هواوي في البلاد، ينبغي أن تجد نصيبها من الإنصات والإدراك في اجتماعات شركات السيارات الألمانية العملاقة.
وهذا يترك ألمانيا في لغز حقيقي. فإن حظر شركة هواوي ربما يعتبر الطريقة الأكثر منطقية للعمل من الناحية الأمنية البحتة. كما أن هناك المسألة الدبلوماسية ذات الشأن والأهمية، وهي إبقاء الجانب الأميركي مسروراً؛ حيث تتطلع واشنطن لاتخاذ إجراءات صارمة بحق الشركة الصينية.
لكن في حين أن ألمانيا تحاول اللحاق بالركب المتسارع على صعيد الهواتف الجوالة، فهناك جانب سلبي ملموس يتعلق بهذا الحظر، حتى من دون الأخذ في الاعتبار التدابير التجارية الانتقامية من جانب بكين. سوف يتعين على المشرعين الألمان بكل تأكيد التخلي عن أهداف تقنية الجيل الخامس الطموحة في ألمانيا، والتي تشمل تغطية 98 في المائة من المنازل في البلاد بسرعات للتحميل تصل إلى 100 ميغابايت في الثانية بحلول نهاية عام 2022.
فإن جرى الاتفاق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على سياسة مشتركة تتعلق بالشركة الصينية العملاقة، كما اقترح زميلي أندرياس كلوث من قبل، فإن الجوانب السلبية التنافسية للتعامل مع شركة هواوي سوف تتراجع كثيراً. ولكن يتعين على المشرعين الألمان الإقرار بالتكاليف الصناعية الحقيقية الناجمة عن إخراج الشركة الصينية من سلسلة التوريد الألمانية الراهنة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»