وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

177 اجتماعاً وأوبك لا تفهم السوق

كان اجتماعاً عادياً مثل أي اجتماع لكل من هم خارج مبنى المنظمة، رغم طوله بالنسبة للوزراء المجتمعين داخل حجرة الاجتماع، ورغم كل النقاشات الحادة التي دارت فيه. إذ إن ما حدث كالعادة هو أن ما تقدمه المنظمة ليس ما يريده السوق.
كنا وكان السوق ينتظر حدوث مفاجأة في فيينا خلال الاجتماع الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يوم الخميس وانتهى الاجتماع السابع والسبعون بعد المائة للمنظمة على اتفاق لتعميق التخفيضات في الإنتاج السابقة المعمول بها منذ مطلع العام الجاري.
لم تكن مفاجأة للسوق، رغم أن أوبك قررت زيادة التخفيضات في الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً، ليصبح التخفيض الجديد بدءاً من أول العام الجاري عند 1.7 مليون برميل يومياً بدلاً من 1.2 مليون برميل يومياً.
ولأن القرار ليس مهماً للسوق، لم ترتفع الأسعار كثيراً وانتظر السوق يوم آخر لمعرفة تفاصيل الاتفاق وكيفية توزيع حصص الإنتاج مع حلفاء أوبك من خارج المنظمة. وحتى بعد الإعلان عن الاتفاق مع خارج أوبك، لم يتحرك السوق مع إعلان تحالف (أوبك+).
وفجأة حدثت المفاجأة، حينما أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال المؤتمر الصحافي عن التزام المملكة بتخفيض إنتاجها بنحو 400 ألف برميل يومياً بصورة تطوعية فوق التخفيض المعلن، ليصبح إجمالي ما سيتم تخفيضه من قبل التحالف 2.1 مليون برميل يومياً بدلاً من 1.7 مليون برميل يومياً. هنا فقط ارتفعت الأسعار بنحو 2 في المائة ليصل برنت إلى حدود 65 دولاراً للبرميل.
ولكن ما لم تتمكن أوبك من فهمه أن السوق يفكر بعقلية أخرى، وما تريد أوبك تقديمه لا يرتقي لطموح السوق. من البداية كان الحديث عن تمديد الاتفاق بنفس التخفيضات السابقة عند 1.2 مليون برميل يومياً، وهذا في نظري ليس قراراً. والسبب في ذلك هو أن العام القادم سيشهد متغيرات كثيرة، وقرار أوبك+ بالتمديد بنفس الاتفاق السابق معناه أن التحالف لا يهتم بالمتغيرات والمجاهيل القادمة.
ثم بدأ الوزراء بتغيير رأيهم بعد رؤيتهم للأرقام، إذ إن الفائض في العام القادم قد يصل إلى مليون برميل يومياً أو أكثر إذا زاد الإنتاج من خارج أوبك، كما هو متوقع في ظل نمو متواضع للطلب على النفط إذا ما استمرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وامتدت إلى الاتحاد الأوروبي وفرنسا.
وانتقل التفكير إلى ضرورة تعميق التخفيضات لموازنة السوق، ولكن السوق قد لا يتوازن مع الخمسمائة ألف برميل الإضافية، لأن تحالف أوبك+ لم يلتزم بالتخفيض السابق بنسبة 100 في المائة وظلت دول كثيرة غير ملتزمة.
إذن لنضع أنفسنا مكان أي متعامل في السوق حتى نفهم ما يحدث. هناك مجموعة من الدول غير الملتزمة باتفاق لتخفيض 1.2 مليون برميل يومياً مجتمعة في فيينا لمناقشة تخفيضات إضافية بنصف مليون برميل يومياً. ماذا يعني هذا؟ يعني أن المجتمعين يريدون إقناع السوق بشيء قد لا يحدث.
ثم جاء وقت توزيع الحصص الإنتاجية، وأعلن الوزراء أن التخفيضات الجديدة سيتحملها كبار المنتجين وليس الصغار. والكل يعلم أن روسيا التي طلب منها في الاتفاق السابق تخفيض إنتاجها بنحو 230 ألف برميل يومياً التزمت بعد فترة من الوقت، وشركاتها ليست على وفاق في موضوع تخفيض الإنتاج. ولهذا عندما أعلن وزير طاقتها عن خفض إضافي لها بنحو 70 ألف برميل يومياً لم يهتم السوق، لأن الكل يعلم أن إنتاج روسيا ينخفض في الشتاء بصورة طبيعية مع الطقس البارد وصعوبة الإنتاج من الآبار هناك.
كان السوق يريد تخفيضا حقيقيا، من دول لديها التزام حقيقي بالتخفيض... ولا يوجد في كل المنظمة دولة بهذه المواصفات سوى السعودية. ولهذا عندما أعلنت السعودية عن تخفيض إضافي بنحو 400 ألف برميل يومياً تحرك السوق.
لقد اهتم السوق بأربعمائة ألف برميل يومياً ولم يهتم برقم 2.1 مليون برميل يومياً، لأنه رقم يفتقد للمصداقية. وقد يغضب الكثيرون عندما تصف أوبك على أنها السعودية؛ ولكن ما حدث بالأمس دليل على أن أوبك ستظل السعودية.
في كل مرة تتحمل السعودية العبء الأكبر. وفي كل اتفاق السعودية هي صاحبة المصداقية. نعم السعودية هي الأكبر حجماً، ولهذا عليها العبء الأكبر تلقائياً، ولكن هذا يظهر لنا أن أوبك ستظل أوبك. مجموعة من الدول الصغيرة مع مجموعة من كبار المنتجين لا يحركهم شيء سوى وصول أسعار النفط إلى مستويات مؤلمة لميزانياتها. إن داء أوبك الأزلي هو سعر تعادل الميزانية وعدم تقارب الدول حول هذا السعر. وزاد الأمر صعوبة دخول دول في التحالف قطاعها النفطي خاضع لسلطة الشركات ولهذا أصبح قرار تحالف أوبك+ صعباً.
وعلى أوبك أن تفهم جيدا أنها أصبحت تحت رحمة السوق؛ حيث إن قوة التسعير بيد السوق.. ولإقناع السوق، على أوبك أن تقدم صورة أفضل تمحي النظرة السلبية، فالسوق شرس ويعطي اللكمات لأوبك، وإذا لم تفعل أوبك شيئاً زادت اللكمات، لذا يجب أن تلكم أوبك السوق لإعادة الأمور إلى نصابها. وحالياً لكمات أوبك على الورق... ولا أحد يلكم فعلياً غير السعودية.