جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

حرب طرابلس ونواقيس الخطر

الأخبار المقبلة، مؤخراً، من العاصمة الليبية، طرابلس، لا تبعث على الارتياح، وتؤكد أن الحرب الضارية في ضواحيها، منذ ثمانية أشهر تقريباً، بدأت في الاقتراب، تدريجياً، وبدرجة خطيرة، من أحياء ومناطق المدينة الآهلة بالسكان. المعارك ازدادت ضراوة، وبمختلف أنواع الأسلحة، يُضاف إليها القصف الجوي بالطيران. ولأول مرة، خلال الأيام الماضية، دفع المشير حفتر بالطيران العمودي في المعارك، ما يعد إشارة واضحة إلى رغبته في تصعيد القتال على أمل فتح ثغرة في دفاعات الجماعات المسلحة التي تمنع تقدم قواته للاستحواذ على العاصمة.
مواقع التواصل الاجتماعي الليبية بثت، خلال الأيام القليلة الماضية، تصريحاً مصوراً لقائد ميداني، كبير الرتبة، يهاجم فيه المجلس الرئاسي ويتهمه بالفشل والتهاون في تقديم الدعم العسكري للقوات المقاتلة، ويطالب، علناً، بإسقاط المجلس، والتخلص من اتفاق الصخيرات، وتشكيل ما أطلق عليه حكومة حرب، بالاتفاق مع مجلس الدولة.
هذا التصريح غير العادي، وتوقيته، يؤكد وجود احتقان في العلاقة بين القادة الميدانيين الذين يقودون المعارك يومياً، في مختلف المحاور، ورئيس وأعضاء المجلس الرئاسي. والسبب، على ما يبدو، يعود إلى ازدياد شعور الإحباط بين أفراد القوات المدافعة عن العاصمة، وهم يرون رفاقهم وإخوانهم يقدمون حيواتهم دفاعاً عن المدينة وسكانها، في الوقت الذي يعيش فيه المجلس الرئاسي حالة مستعصية من الإخفاق في كل القطاعات، والفشل في تقديم الدعم العسكري والسياسي للقوات المقاتلة، وفي إيقاف عمليات إهدار المال العام من قبل أعضائه، وبطاناتهم، وفقدانه المصداقية شعبياً.
وفي تصريح آخر، بثته قناة تلفزيونية ليبية، أدان السيد حسن زقلام بشدة المجلس الرئاسي واتهمه بالتخاذل في أداء واجباته، والتهاون في تحمل مسؤولياته، وانشغال أعضائه بإهدار ونهب المال العام. كما أدان تعريض المدنيين للقصف والموت.
السيد حسن زقلام، شخصية طرابلسية معروفة. كان قد شغل منصب وزير المالية في حكومة السيد عبد الحفيظ الكيب، واستقال منها احتجاجاً على ما سمَّاه نهب المال العام من جانب الجماعات المسلحة.
ومن جانب آخر، قدم السيد غسان سلامة، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ورئيس بعثتها لدعم العملية السياسية، إفادته، خلال الأيام الماضية لمجلس الدولي بالأمم المتحدة، فيما يتعلق بآخر تطورات الأوضاع ميدانياً وسياسياً، خصوصاً المتعلق منها بتمهيد الأجواء لعقد مؤتمر في برلين بين الأطراف الدولية الداعمة للأطراف المتحاربة في ليبيا.
واستعرض سلامة في إحاطته الوضع الميداني في مناطق الاشتباكات بضواحي جنوب العاصمة طرابلس، وتداعيات القصف الجوي، والتدخلات الخارجية في الصراع المحلي وتأثيره الإنساني على المواطنين المقيمين في تلك المناطق، مشيراً إلى أن استخدام القوة الجوية والتقنية الدقيقة أصبح سمة للنزاع، وزاد من حدة وتيرته. إضافة إلى التجاء الأطراف المتحاربة إلى الاستعانة بالمرتزقة من خلال توقيع عقود مع شركات أمنية غربية.
ما يلفت الاهتمام في إفادة المسؤول الأممي هو أن مؤتمر برلين المقرر عقده لن تحضره أطراف ليبية، بل أطراف غربية وإقليمية متورطة في تقديم الدعم للأطراف الليبية. واستناداً إلى آخر التطورات، في هذا الشأن، فإن المؤتمر المقرر تأجل إلى الربع الأول من العام المقبل. وتعود الأسباب إلى اختلافات في وجهات النظر بين حكومتي باريس وروما. وصعوبة الوصول إلى تفاهم بينهما. الأولى تدعم المشير حفتر، والثانية المجلس الرئاسي.
وأعتقد، شخصياً، أن إجراء مصالحة بين الأطراف الليبية المتنازعة أمر لا مكان له في أجندة هذه الحرب، حالياً، أو في المستقبل القريب، لعدم توفر رغبة لدى كل الأطراف الدولية والمحلية، في الجلوس معاً، والتحاور سياسياً، في وقت تتزايد فيه العداوة، وتتصاعد خلاله وتائر الغضب، ويتساقط فيه قتلى وجرحى من الطرفين بأعداد مثيرة للقلق، ومدعاة للخوف.
وأعتقد، أيضاً، أن الأيام القريبة ستكون حُبلى بكثير من المفاجآت على المستوى السياسي الداخلي في طرابلس، وقد تشهد حدوث ضغوطات سياسية شديدة على رئيس المجلس الرئاسي السيد فائز السراج للتنحي، أو إحداث تغييرات أقرب ما تكون في الوصف لعمليات جراحية تستهدف استئصال المجلس الرئاسي بجملته، أو بعض أبرز أعضائه على الأقل، وإحلال بدائل لهم، أكثر تشدداً في مواقفهم المعارضة للمشير حفتر، وأقل مرونة سياسية، وأشد عناداً في الدفع بالمواجهة العسكرية.
وعلى المستوى العسكري، فإن التفوق الجوي لقوات المشير حفتر، سوف يدفع بالأطراف المقابلة إلى ممارسة ضغوط على شركائها الأوروبيين والإقليميين لحثهم على المسارعة بممارسة ضغوط سياسية دولياً، بغرض إيقاف الغارات، وما قد تحدثه من أضرار بين العسكريين والسكان المدنيين.
جدير بالذكر أن ازدياد أعداد النازحين من بيوتهم قد تسبب في خلق أزمة إنسانية حادة، وتحويل كثير من المقرات المدرسية إلى ملاجئ للنازحين، ما تسبب في تعطيل الدراسة في كثير من المدارس، أضف إلى ذلك الأزمة التي خلقها إضراب المعلمين ومطالبتهم بزيادة رواتبهم.