شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

«تويتر» يتفوق على «فيسبوك» في حظر الإعلانات السياسية

وكما تعلن شركة «فيسبوك» عن أرباحها الفصلية كأي شركة أخرى، غرّد جاك دورسي الرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» مؤخراً، معلناً أن شركته سوف تتوقف عن قبول الإعلانات من المرشحين لشغل المناصب السياسية.
واعتباراً من الشهر المقبل، لن تقبل «تويتر» أيضاً المدفوعات بهدف الترويج للتغريدات أو غير ذلك من الإعلانات التي تتخذ موقفاً محدداً بشأن القضايا السياسية الساخنة، مثل الهجرة، أو الرعاية الصحية، أو الأمن القومي، أو التغييرات المناخية.
ولم يذكر جاك دورسي شركة «فيسبوك» على الإطلاق، ولكن من الواضح تماماً أنه كان يتخذ موقفاً ضد مارك زوكربيرغ. وكانت شركة «فيسبوك» ورئيسها التنفيذي محل انتقادات لاذعة بسبب عدم التحقق من مدونات السياسيين، بما في ذلك إعلاناتهم ذات الصبغة السياسية، مما يعني أن «فيسبوك» قد تتلقى الأموال من السياسيين الذين يكذبون على الناخبين المحتملين. ومع اندلاع الخلاف حول المسألة خلال الأسابيع الأخيرة، أعلن زوكربيرغ، في غير مناسبة، أن «فيسبوك» لا تريد فرض الرقابة على الخطاب السياسي.
أما جاك دورسي، فقد قال بصفة أساسية إن حجة «فيسبوك» بشأن حرية التعبير حجة زائفة لا مستند لها، وغرّد بذلك المعنى قائلاً: «لا يتعلق الأمر بحرية التعبير في شيء، بل إنه يتعلق بسداد ثمن الوصول إلى الناخبين».
ويستحق «تويتر» الشكر والثناء على إدراكه أن المخاطر الناشئة من الرسائل الرقمية المستهدفة بدقة وذات الصلة بالسياسة والسياسيين مخاطر عالية للغاية، وينبغي عدم مرور تلك الرسائل والمحتويات من دون مراجعة. ولدى بعض من موظفي «فيسبوك» وجهات نظر مماثلة.
وبرر زوكربيرغ أيضاً امتناع شركته عن مراجعة والتحقق من الإعلانات السياسية بقوله إن «تويتر» و«غوغل» تفعلان الأمر نفسه. ليس بعد الآن (فلقد تجنبت شركة «غوغل»، عملاق مبيعات الإعلانات على مستوى العالم، الانجرار إلى هذه الفوضى السياسية التجارية حتى الآن).
ويوصف تحول جاك دورسي السياسي بالذكاء، ولم يأتِ على حساب التضحية بالأعمال، إذ إن المرشحين السياسيين الذين ينشرون الإعلانات عبر «تويتر» قليلون، بالمقارنة بمن ينشرونها على «فيسبوك». وقالت شركة «تويتر»، الأسبوع الماضي، إن الإعلانات السياسية شكلت أقل من 3 ملايين دولار من إيرادات الشركة خلال عام 2018، في موسم انتخابات التجديد النصفي لـ«الكونغرس». وقال مارك زوكربيرغ، مؤخراً، إن الإعلانات التي ينشرها السياسيون ربما تمثل 0.5 في المائة من إيرادات «فيسبوك» في العام المقبل، مما يوحي بأن إعلانات المرشحين تحوم حول 400 مليون دولار تقريباً (ولنتصور الأمر من زاوية أحد المراسلين السياسيين، الذي قال إن مشتريات الإعلانات السياسية على «فيسبوك» في انتخابات المملكة المتحدة خلال عام 2017 كانت 55 ضعف الإنفاق الإعلاني عبر منصة «تويتر». ومن ناحية السياق، يبلغ إجمالي عائدات الإعلانات السنوية على «فيسبوك» نحو 20 ضعفَ ما تحققه شركة «تويتر»).
كان توقيت بيان جاك دورسي يشكل ضربة قوية مباشرة ضد «فيسبوك» في يوم الإعلان عن أرباح الشركة، وبدا أنه أخذ الشركة العملاقة على حين غرة. ومن خلال تصريحات زوكربيرغ المجهزة بشأن أرباح «فيسبوك»، قام بتقديم دفاع متحمّس آخر عن سياسات الشركة وقرارها بعدم مراجعة والتحقق من الإعلانات السياسية. ومن الواضح أن زوكربيرغ لم يكن على علم ببيان جاك دورسي، أو أنه تخير متعمداً عدم التعريج على ذلك في تصريحاته.
وكانت رسالة زوكربيرغ تدور حول أن موقف سياسات شركة «فيسبوك» قد يكون خاطئاً، ولكنه موقف مدروس بعناية بالغة، ويستند إلى المبادئ، فضلاً عن الاندفاع بدافع الرغبة في جني المزيد من الأموال من الرسائل الساخنة، أو لكونها وسيلة لمنع السياسيين المحافظين من الشكوى من فرض الرقابة على المحتويات.
وقال زوكربيرغ إنه نظراً لسياسات الشركة فيما يتعلق بالإعلانات «أتوقع أن تكون هذه السنة عسيرة للغاية»، وهو محقّ بصورة من الصور.
وقبل أن نواصل الثناء على «تويتر» لموقفها الأخير، لا يزال أمام الشركة كثير من العمل لتقوم به. فليس من الأمور التافهة رسم خطأ واضح على ما يمكن اعتباره الإعلان المثير للمشاكل. فهل يمكن اعتبار مجموعةMeToo غير مؤهلة للحصول على التغريدات المدفوعة، على سبيل المثال؟ كما يمكن لشركة «تويتر» صياغة السياسات التي تريدها، ولكن تغريدات جاك دورسي مجرد كلمات مجردة من أي معانٍ أو تدابير فعلية في أرض الواقع. ولقد أخفقت الشركتان («فيسبوك» و«تويتر») مراراً وتكراراً في فرض الرقابة على القواعد المسنونة لديهما بصورة فعالة.
وكما علمنا من الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، وغيرها من الحملات الانتخابية الأخرى منذ ذلك الحين، كانت المعلومات المضللة بشأن القضايا الساخنة للغاية مع الرسائل المزيفة حول المرشحين السياسيين لا تقتصر على الإعلانات أو الرسائل أو التغريدات المدفوعة؛ إذ كانت كثير من المعلومات الخاطئة على الإنترنت ذات الصلة بالانتخابات الأميركية لعام 2016 عبارة عن مدونات، وصور، ومقاطع مرئية، من التي كان الناس يعجبون بها، ويواصلون النقر عليها، ويختارون نشرها، وترديدها، من دون أن يتقاضوا عن ذلك أموالاً لترويجها، من «فيسبوك» أو من غيرها.
ومن الواضح أن التضليل المتعمد للحقائق عبر الإنترنت لا يزال مستمراً، وبات يمثل مشكلة خبيثة وشديدة الإيذاء لن يمكن إصلاحها عن طريق سياسة واحدة من صياغة شركة واحدة. ولقد قام المشرعون الأميركيون بصياغة المقترحات بشأن كيفية تطبيق قواعد نشر الإعلانات السياسية على المنصات الرقمية، مثل «فيسبوك»، ولكنهم فشلوا في تحويل تلك المقترحات إلى تشريعات، كما أنهم غضوا الطرف عن مدونات الإنترنت حول القضايا السياسية الساخنة والمثيرة للجدل. ولقد ألقى ذلك الأمر بكثير من الأعباء على كاهل شركة «فيسبوك»، وغيرها من الشركات الأخرى، بشأن اتخاذ ما يروق لها من قرارات بنفسها ولنفسها. وقال جاك دورسي في تغريداته إن المشرعين في حاجة ماسة إلى العمل واتخاذ الإجراءات بشأن الإعلانات السياسية، حتى مع إقراره بأن الأمر ليس سهلاً أو هيناً أو يسيراً.
لقد قامت شركتا «فيسبوك» و«تويتر» بعمل جيد للغاية خلال العامين الماضيين لمساعدة الناخبين المحتملين على معرفة مدى إنفاق المرشحين أو الجماعات السياسية على الإعلانات الموجهة، الذين تستهدفهم رسائلها بصورة مباشرة. ولقد كانت تلك من الخطوات المهمة على الطريق، ولكن الانتباه قد تحول الآن مما يشتريه المرشحون عبر الإنترنت إلى ما يقولونه خلالها.
ولن تكون الكلمة الأخيرة في تلك المسألة لدى جاك دورسي بشأن كيفية التعامل مع الرسائل والمدونات السياسية. ولكن ليوم واحد فقط، أظهر هو وشركته، «تويتر»، موقفه القوي أمام الجارة الأقوى، «فيسبوك».

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»