منذ ستة أسابيع عندما قرر الرئيس باراك أوباما، من دون شك بعد أن قرأ استطلاعات الرأي، «فعل شيء ما» بشأن ما يسمى «داعش»، رحب بذلك الكثيرون باعتباره خبرا جيدا. على أي حال، تستطيع الولايات المتحدة إذا استخدمت قدراتها العسكرية الفريدة بكفاءة أن تُقَصِّر حجم المأساة التي ألحقت معاناة هائلة بسوريا والعراق وتهدد بالانتشار إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط.
ولكن، لمن يعرف أوباما، يجد بعضنا شكوكا تتعلق بصدق تغييره المعلن للسياسات.
وبالفعل، على مدار الأسابيع الماضية، تأكدت تلك الشكوك.
الآن، قد تظن أنني سأشرع في جولة أخرى من الهجوم على أوباما.
ليس هذا مقصدي. كنت أنتقد أوباما عندما كان الجميع يثنون عليه، والآن بعد أن أصبح الجميع تقريبا، ومنهم اثنان من وزراء دفاعه السابقين، وحتى أعضاء حاليين في إدارته، بصوت خفيض، ينتقدون أوباما - لا حاجة لي للانضمام إلى الجموع.
يتسق سلوك أوباما مع رؤيته للعالم وموقع الولايات المتحدة به، وهي الرؤية التي تشكلت أثناء فترة شبابه المتقلب، وأثر فيها مستشارون يرون أن أميركا تمثل قوى الشر.
لم يسع أوباما على الدوام إلى إخفاء نظرته السلبية لدور أميركا في التاريخ.
وحتى قبل انتخابه، أذهل حشدا من الجمهور في برلين عندما تجنب الإشارة إلى حقيقة أن الألمان يدينون، على الأقل بدرجة ما، بالفضل في ترسيخ نظامهم الديمقراطي إلى مشاركة الولايات المتحدة في تدمير النظام النازي.
وفي وقت لاحق، عرض أوباما تقديم اعتذار عن الاحتلال الأميركي لليابان و«إهانة» إمبراطورها.
وحتى عندما نسب فضلا إلى الولايات المتحدة، في إطار العلاقات مع الدولة الإسلامية على سبيل المثال، كان بأسلوب اعتذاري. ولم يذكر الدور الذي أدته الولايات المتحدة في وقف عمليات التطهير العرقي للمسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو. كذلك، لم يذكر حقيقة أن سقوط الاتحاد السوفياتي، الذي تحقق جزئيا بفضل إصرار الولايات المتحدة في الحرب الباردة، سمح بظهور خمس دول جديدة ذات أغلبية إسلامية ويزيد إجمالي عدد سكانها على 80 مليون نسمة.
يرى أوباما أن الإطاحة بصدام حسين في العراق «حرب خاطئة في مكان خطأ»، وسارع بإبعاد الولايات المتحدة بأقصى ما يستطيع، ليكسر الرابط الأخلاقي الذي نشأ عن التدخل الأميركي في البداية.
وحتى في أفغانستان، حيث ادعى أن ما يحدث هناك كانت «حربا صحيحة»، كان مهتما فقط بالحفاظ على المظاهر انتظارا لوقت الانسحاب.
ومرة بعد أخرى، فيما يخص العراق وأفغانستان، كان أوباما يصر على أنه لا يبحث عن «انتصار»، ساخرا من الفكرة ذاتها بأنه من الممكن أن يفوز أي طرف في أي حرب.
سمحت الرؤية ذاتها لأوباما بالمراوغة للخروج من مأزق ملاحظاته بشأن وجود «خطوط حمراء» في سوريا، مما أعطى بالفعل بشار الأسد ضوءا أخضر للاستمرار في استخدام الأسلحة الكيماوية.
وعلى مدار الأعوام، يرفض أوباما أن يطلق على ألد أعداء أميركا، ومن بينهم محتجزو الرهائن وقاطعو الرؤوس، صفات يرى أنها غير لطيفة مثل إرهابيين، ناهيك بوصفهم بأعداء الإنسانية. ولكن بدلا من ذلك، استخدم مصطلحات مثل «متطرفين» أو «مسلحين» أو، تحت وطأة استطلاعات الرأي: «متطرفين عنيفين».
قبل كل ذلك، تعد الحرب وسيلة للاتصال يمكن من خلالها للخصوم المحتملين توضيح ما يريدونه والمدى الذي يستعدون للوصول إليه في سبيل تحقيق ما يريدون، وما الوسائل التي يعتزمون استخدامها.
وفقا لأدلة الحرب الكلاسيكية، يجب على كل من يشترك في القتال أن يكون قادرا على تحديد غايته النهائية في جملة واحدة. وإن لم يكن، فيجب عليه أن يسعى إلى تجنب الحرب.
في حالة الحرب ضد «داعش»، امتنع أوباما بحرص عن ذكر هدف واضح. وفي بعض الأحيان، يقول إن هدفه هو «تقليص مساحته» أو «إبعاده» أو «إضعاف قدراته». واستبعد كلمة «حرب»، مفضلا كلمات مثل «إجراء» أو «مساعي» أو «حملة».
بطريقة أخرى، نظرا إلى أن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب، فلا داعي للإعلان عن غاية واضحة.
وبحكم العادة، يظل شعار الحرب الأميركي بسيطا: تَدَخَّل واقتل العدو واخرج!
بيد أن أوباما لن يحقق أيا من ذلك.
ما يقوم به هو رقصة بطيئة الحركة تستغرق «عدة أعوام»، وفقا لما ذكره نائب الرئيس جو بايدن، مما يعني أنها ستستمر فترة طويلة بعد أن يتقاعد أوباما ليكتب مذكراته.
وهكذا، تأتي الرسالة التي يبعث بها إلى «داعش»: لا تقلقوا! سيتم استخدام القوة الأميركية على جرعات علاجية مثلية فقط!
في خطابه أمام الجمعية العامة بالأمم المتحدة في الشهر الماضي، قدم أوباما تشبيها أخلاقيا معوجا جمع فيه بين قاطعي الرؤوس في «داعش» ورجل الشرطة الذي أطلق النار على شاب أسمر البشرة في مدينة ميسوري.
كانت الرسالة: لقد كان الصيف حارا، وجميعنا كان لديه مشاكل! لن يكون أبو بكر البغدادي الذي نصب ذاته خليفة غبيا لدرجة ألا يفهم الرسالة. وقد وجد أنه في غضون ستة أسابيع، شن تحالف أوباما نحو 300 غارة جوية ضد «داعش»، مقارنة بـ3000 غارة في اليوم الأول من الحرب التي أسقطت صدام حسين.
يستخدم أوباما قوة السلاح ببخل أكبر مما ينفق به هاربغون، البخيل في مسرحية موليير الكوميدية، عملاته الذهبية.
إن أوباما ليس بقائد حرب مذهل، على الأقل لأنه لا يؤمن بعدالة قضيته.
ومن المؤكد أنه يستطيع ويجب عليه بصفته قائدا منتخبا تنفيذ سياسات يرى أنها ملائمة، بغض النظر عما قد يقترحه المعارضون أمثالي. ما يقلقني هو خطورة أن أوباما قد يضلل حلفاء أميركا الأوروبيين والشرق أوسطيين بالترويج لشعور مزيف بالأمن. والأسوأ من ذلك أن يراه الحلفاء على حقيقته ويردون على ازدواجيته بضربات مختلسة من جانبهم في تحالف من الخدع والخدع المضادة. وهذا سيكون خبرا سيئا للشرق الأوسط وأوروبا وأميركا، وللعالم بأسره حقا.
16:25 دقيقه
TT
مخاوف محارب متردد
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة