د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

الصادرات والبحث والتطوير

عند كل مؤتمر صحافي لشركات الهواتف الذكية، مثل «آبل» و«سامسونغ» و«هواوي»، يظهر جلياً زهو هذه الشركات بما وصلت إليه من تقنيات متقدمة، باستعراضها لخصائص هواتفها الجديدة، والتي قد تبهر البعض ولا تؤثر في البعض الآخر. هذه الخصائص الجديدة هي نتاج سنوات من العمل لفرق بحثية متخصصة بالشركات، تجمع بين ما يريده المستخدم في هاتفه الذكي، وما يمكن أن تقدمه له التقنية بالمقابل. وقد يبدو للبعض أن تقديم هذه التقنيات أمر طبيعي من الشركات بشكل عام، لا من شركات الهواتف الذكية فحسب. ولكن ما قد يغيب عن البعض، هو ما تعانيه هذه الشركات تجاه تطوير تقنياتها.
أن يكون لدى الشركة قسم بحث وتطوير وابتكار، يعني أن تقوم هذه الشركة بتوظيف مجموعة من العلماء لسنوات طويلة، قد لا تثمر السنوات الأولى (والتي قد تصل إلى 10 سنوات) عن أي عوائد لهذه الشركة. وخلال هذه السنوات، لا تستطيع الشركة تقليل ميزانية قسم الأبحاث فيها، ذلك أن معظم الميزانية عبارة عن رواتب لهؤلاء الباحثين والعلماء، ولا تستطيع هذه الشركة فصل أحد من الباحثين، فهو بمجرد أن يفصل، يستطيع الحصول على وظيفة في شركة منافسة، ومن ثم نقل المعرفة التي يملكها عن شركته القديمة للشركة المنافسة. وهذا ما يجعل غالبية الشركات تؤمن ميزانيات أقسام الأبحاث فيها لسنوات قادمة، لتتمكن من تسديد رواتب باحثيها عند أي طارئ مالي.
ليس ذلك فحسب؛ بل إن ميزانيات قسم الأبحاث لا بد أن تمول من الشركة نفسها، أي أن الشركات لا تستطيع – غالباً – تمويل أبحاثها من خلال القروض البنكية. فالاستثمارات البحثية استثمارات ذات مدى طويل، وترتبط غالباً بمعدل خطر مرتفع. ولذلك فإن البنوك عادة ما تحجم عن تمويل هذا النوع من الاستثمارات، ناهيك عن أن غالبية الشركات لا تلجأ عادة إلى تمويل أبحاثها من القروض، وذلك أنها لا ترغب في مشاركة خططها المستقبلية وأبحاثها مع من هم من خارج الشركة.
هذا جزء بسيط من معاناة الشركات التي ترغب في أن تطور منتجاتها باستحداث أقسام للبحث والتطوير والابتكار فيها، ولعلمها بأهمية هذه الأقسام بالشركات، فقد سعى كثير من الحكومات إلى إيجاد محفزات وحلول للشركات، لتجاوز بعض هذه المشكلات. من هذه الحلول ما فعلته الحكومة اليابانية، وذلك بمواءمة بعض الشركات مع البنوك، لتصبح البنوك شريكاً في هذه الشركات، وهو ما جعل البنك على اطلاع على المشروعات البحثية للشركة، ومن ثم معرفة معدل الخطر لها، وإمكانية تمويله عن طريق القروض.
وقد لا توجد دولة في العالم إلا وسبق لها إقرار محفزات ضريبية للشركات التي تطور منتجاتها. هذه المحفزات تختلف، منها إعفاءات ضريبية، سواء كانت بالكامل أو جزئية، وقد يصل بعضها إلى أن تحصل الشركات على أموال بدلاً من دفعها الضرائب. كما تعطي بعض الحكومات قروضاً مخصصة لهذه الشركات، وتعفى هذه الشركات من سداد القرض في حالات محددة عند نجاحها، مثل التقدم ببراءات اختراع. كما تقدم بعض الحكومات تسهيلات محاسبية للشركات المستثمرة في البحث والتطوير، مثل زيادة معدل الإهلاك في أجهزتها المستخدمة في الأبحاث، أو إعفائها من بعض مهامها الاجتماعية المفروضة عليها.
لا يختلف اثنان في الوقت الحالي على أهمية البحث والتطوير والابتكار للشركات، ولنقس ذلك في أي شركة في عالمنا اليوم. فحتى عندما تنافس منتجات هذه الشركة على مستوى الصادرات الخارجية، فهي تنافس بأحد أمرين: إما أن يكون منتجها منخفض الثمن، وهو أمر صعب للغاية في وجود المنتجات الصينية بخسة الأسعار، وإما أن تصدِّر منتجاً لا يصدره أحد سواها، وهو ما لا يمكن حدوثه إلا نتيجة بحث وتطوير وابتكار داخل الشركات. فيما عدا ذلك، فإن صادرات هذه الشركات، أو الدول بشكل عام، سوف تنحصر في مواردها الطبيعية، أو في المنتجات المعتمدة على مصادرها الطبيعية. وستبقى شركاتها تنافس على المستوى المحلي الذي لا يغري أي شركة من الخارج بالمنافسة فيه، وهذا النوع من المنافسة لا يقدم كثيراً على المستوى الاقتصادي للدولة، فيما عدا دوران السيولة المالية داخل البلد نفسه. وهذا ما يوضح أمراً لا مفر منه: أن الطريق الوحيد لصادرات السلع، هو البحث والتطوير، فيما عدا ذلك فهي صادرات من الموارد الطبيعية القابلة للنضوب في أي وقت.