مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

تشرشل والمحكمة الأوروبية

تلك هي مشكلة الأحزاب السياسية الرئيسية التي تتبنى سياسات كراهية الأجانب أو مؤيدي الانعزالية من أجل اكتساب الأصوات.
يحدث ذلك في حزب المحافظين البريطاني، الذي يحرص زعيمه، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، على وقف الانشقاقات قبيل الانتخابات المقرر عقدها العام القادم مما يدفعه إلى محاكاة تلك السياسات.
جاء أولا وعده بعقد الاستفتاء بحلول عام 2017 حول مغادرة الاتحاد الأوروبي من عدمه. والآن يأتي ذلك الاقتراح، الذي تقدم به وزير الدولة لشؤون العدالة كريس جرايلينغ، من أجل تقديم إنذار نهائي إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ: إما السماح لبريطانيا بتجاهل أحكام المحكمة حينما ترغب في ذلك، أو انسحابها من المحكمة.
تعتبر المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الذراع القضائية لمجلس أوروبا، والتي ساعدت بريطانيا على تأسيسها عقب الحرب العالمية الثانية. وهي تعمل على إنفاذ الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في 47 دولة. وقال أحد المؤسسين، ونستون تشرشل، أن الهدف كان إقامة {أوروبا موحدة تنال مفاهيمها الأخلاقية احترام وتقدير البشرية}.
صارت المحكمة أفضل الأدوات المتاحة لتوسيع سيادة القانون في الدول التي لا تحظى بذلك، وتوفير الملجأ للمواطنين الأوروبيين العاديين في جميع أنحاء أوروبا من قرارات المحاكم السيئة، والمحاكم المسيسة، والحكومات المستبدة، أو المهملة. وفي ما يلي مثال على ما تقوم به تلك المحكمة:
- زعمت عائلة في تركيا أن الدولة أخفقت في واجبها لقاء حماية ابنتها. فبعد ستة عشر عاما من الضرب على يد زوجها وثلاثة أوامر زجرية لم يتم تنفيذها، طلبت أن تنتقل إلى ملجأ آمن، ولكن الطلب رفض بدعوى أنها لديها أطفال يستحقون رعايتها. ثم أطلق زوجها النار عليها وقتلها. ولا تزال القضية في مراحلها المبكرة. هذه قضية لا تعتبر غير عادية.
يقول حزب الاستقلال والعديد من المحافظين، مبررين، أن المحكمة في ستراسبورغ تجاوزت مهمتها لما هو أبعد من الغرض الأصلي من مواجهة أي عودة للشمولية التي تخيلها تشرشل. وهي الآن تتعامل مع كل شيء مما يوضح مدى اختلاف عالم اليوم عما كان عليه الأمر في عقد الخمسينات.
إن مهلة جرايلينغ، مع ذلك، ما هي إلا مخادعة، فلا يمكن لمجلس أوروبا ومحكمته منح بريطانيا إعفاء خاصا لتجاهل الأحكام، لذلك فهو ببساطة يومئ بنية الانسحاب.
بالطبع، يمكن لبريطانيا أن تتبع خطى كوريا الشمالية وتتجاهل التزامات المعاهدة. والانسحاب من المحكمة في ستراسبورغ من شأنه أن يخلق أثرا هامشيا لدى البريطانيين، حيث تظل حقوقهم الأساسية تحت الحماية. ولكن التأثير الرئيسي للانسحاب سوف يكون من خلال فتح الباب أمام الأنظمة الاستبدادية للانسحاب كذلك.
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على سبيل المثال، الشهر الماضي، إن بلاده قد تنسحب من المحكمة، التي هي في رأيه {تحقق نوعا مجردا من الوظائف السياسية}. وجاء تردده جراء عدم يقينه حول حق روسيا القانوني في الانسحاب - فعلى ما يبدو أنه قرأ اتفاقية فيينا الموقعة عام 1969 حول قانون المعاهدات بصورة أفضل من جرايلينغ. ومع إحراز بريطانيا قصب السبق في ذلك، فإن تردد بوتين سيغدو أدراج الرياح.
يمكننا القول على نحو جدلي، أنه لم تكن هناك حاجة إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان منذ سنوات ما بعد الحرب مباشرة مثل الحاجة إليها الآن، حيث أن موجة السلطويين والقوميين المتطرفين آخذة في الارتفاع في جميع أنحاء أوروبا. لم يكن تشرشل من مؤيدي الفيدرالية الأوروبية، ولكنه كان مفكرا استراتيجيا. اعتقد أنه ظن أن خلفاءه من المحافظين في عام 2014 سوف يكونون من قصار النظر.

* بالاتفاق مع {بلومبيرغ}