مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

لبنان... زلزال يهز الطائفية

لبنان «سويسرا الشرق» أبهر العالم بمظاهرات سلمية تجاوزت الطائفية والحزبية، وبشيء أكثر من التفصيل، فإن هذه المشاهد مؤثرة بدرجة تدعو للزهو. فكل البيانات والتصريحات والمطالبة بالتغيير التي تصدر، تؤكد أن الشعب اللبناني مثقف يحمل سمات مؤثرة في عصر أبعد وأبعد من السلم والتجانس.
فالشعب اللبناني بكل طاقاته وقدراته الكامنة عبَّر بمفهوم كوني مألوف، وبشعور جوهري عميق، يفسر عراقة الجهود المبذولة في بناء وتأسيس مؤسسات تعليمية من مختلف الثقافات، قامت بدور كبير في التعليم، نتج عنه التطور الذي أفسح الطريق نحو اعتبارات أكثر صلابة. فقد كان لهؤلاء دور كبير في مستوى الفهم، وإثراء الثقافات العربية والعالمية في مجالات العلوم والفنون والآداب، ولنذهب خطوة أبعد من ذلك نحو الصحافة والإعلام في العالم العربي.
رغم كل هذا الإرث الحضاري والتنوع الثقافي الذي أنتج للعالم مفكرين وأدباء ساهموا في تقدم العالم بأسره، فإنه في مجال السياسة ظهر في بعض الحقب نظام سياسي مبني على المحاصصة الطائفية وهو نظام لا يعطي للكفاءات أي وزن، بقدر ما يضع كل الثقل في الولاء الطائفي. وزاد بعض المحسوبين على الطبقة السياسية الحاكمة والنافذة الوضع سوءاً عندما ربطت كل مجموعة منها نفسها بدول أجنبية، وغالبيتهم لا يخدمون بلدهم؛ بل تلك الدول التي رهنوا أنفسهم لها، ومستقبل لبنان قبل كل شيء. وأكبر مثال على ذلك «حزب الله» الذي يخدم مصالح إيران، وساهم في تدمير اقتصاد لبنان، وإقحامه في ملفات المنطقة، رغم عدم وجود مصلحة للبنان في ذلك، وهو ما انعكس سلباً على لبنان وعلاقته بمحيطه العربي تحديداً.
فما يحدث اليوم في لبنان ما هو إلا نتاج طبيعي لنظام لا يمكن له أن يستمر للأبد، فكل زعيم سياسي بات كحاكم دولة مستقل.
هذا الوضع المعيشي المزري، هو ما جعل الشارع ينفجر، ويستفيق على أن بقاء زعماء الطائفية والنظام الطائفي سبب هلاكهم ودمار دولتهم، ولذلك لم يستجب الشارع لكل الوعود التي أطلقت، وما زال يطالب بإعادة انتخابات البرلمان، وحكومة جديدة، وإسقاط النظام بالكامل، ورحيل كل السياسيين؛ لأنه لم يعد يثق بهم.
فهل بدأت الطائفية في السقوط، وبدأ العد التنازلي لاختفاء الطبقة السياسية التقليدية التي تنتفع بشكل خاص، دون أن تقدم أي خدمة للشعب؟ وهل حان هدم الدويلات داخل الجمهورية؟
ليس من الصعب أن نتخيل كيف يمكن أن يكون لبنان دون أحزاب طائفية معقدة. ولا يعني ذلك أن الأحداث الأخيرة طريقة موجودة في أقصى مساحة من خط الزمن، فالوصول إلى التآلف العميق شرط أساسي لتعويض ما فات، ونشر توافق يخبر بأن لغة الشارع اللبناني خضعت لتحولات ملحوظة، تتعلق بكيفية عملها بالداخل بعيداً عن الطائفية.