هدد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بفتح البوابات إلى أوروبا أمام اللاجئين السوريين المقيمين بصفة مؤقتة في الأراضي التركية، ما لم يوقف الاتحاد الأوروبي انتقاداته القاسية للعملية العسكرية التركية الجارية راهناً ضد الأكراد في شمال سوريا. وهذه التهديدات ليست جديدة بحال، وليس من المرجح لإردوغان أن يستفيد منها بشيء، كما يتوقع. بدلًا من ذلك، من المحتمل له أن يدفع اللاجئين في الاتجاه المعاكس.
ففي مارس (آذار) لعام 2016، وقعت تركيا مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية لإعادة القبول تسمح للجانب الأوروبي بإرسال أي مهاجرين غير شرعيين يصلون من تركيا إلى أي دولة من دول الاتحاد. وفي المقابل، عرض الاتحاد الأوروبي 3 مليارات يورو (3.3 مليار دولار) من المساعدات المالية العاجلة إلى الحكومة التركية، بالإضافة إلى 3 مليارات يورو أخرى بحلول نهاية عام 2018 الماضي. وتشكل الاتفاقية مكوناً أساسياً من الجهود الأوروبية المسماة بالفوضوية، مع قدر من الفعالية للحد في نهاية المطاف من تدفق اللاجئين والمهاجرين من سوريا التي مزقتها الحرب الأهلية وغيرها من بلدان الشرق الأوسط والدول الأفريقية.
وفي السنوات التي أعقبت التوقيع على الاتفاقية، أعاد الاتحاد الأوروبي ما لا يتجاوز 2 في المائة من طالبي اللجوء السياسي والمهاجرين الذين وصلوا إلى الجزر اليونانية قادمين من تركيا. ولتفادي الترجيل مجدداً، بدأ اللاجئون في التقدم بطلبات الحصول على اللجوء السياسي فور وصولهم إلى الجزر اليونانية عوضاً عن انتظار بلوغ الوجهات الأوروبية المقصودة مثل ألمانيا على سبيل المثال. وثارت مشكلة مزمنة لدى السلطات اليونانية التي لم تتمكن من معالجة الكم الهائل من طلبات اللجوء المتراكمة لديها، وصارت الجزر الساحلية الآن موئلاً لمخيمات اللاجئين البائسة التي تضم أكثر من 30 ألف شخص أو يزيد.
ولم تكمن قيمة الاتفاقية في عمليات إعادة القبول الفعلية، وإنما في الاستعداد التركي لإيواء الأعداد الهائلة من اللاجئين. ويزعم الرئيس التركي أن بلاده قد أنفقت نحو 40 مليار دولار لإعانتهم وإعاشتهم على أراضيها، وهو مبلغ يفوق بكثير المليارات السبعة من المساعدات المالية التي يقول إن حكومته قد تلقتها من مختلف بلدان العالم.
وشرع إردوغان في التهديد بفتح البوابات الأوروبية أمام اللاجئين بعد شهور من التوقيع على اتفاقية إعادة القبول. حتى في عام 2016، استشعر الرئيس التركي، أن المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي، التي تستخدم في أمور مثل تعليم ورعاية أطفال اللاجئين، لم تصل بالسرعة الكافية. وفي الآونة الأخيرة، تكررت التهديدات التركية كثيراً، حيث أصبح اللاجئون السوريون - الذين يحملون وضعية الحماية المؤقتة بدلاً من وضعية اللجوء الكاملة - لا يحظون بشعبية كبيرة في تركيا التي ترزح تحت الضغوط الاقتصادية الهائلة.
وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت تركيا عن تعليق العمل باتفاقية إعادة القبول، رداً على العقوبات الاقتصادية من جانب الاتحاد الأوروبي (وهي عقوبات طفيفة بدرجة ما) بسبب حفريات الغاز الطبيعي التي تقوم بها تركيا في المياه المتنازع عليها بالقرب من السواحل القبرصية. والذريعة التركية الحالية لفتح البوابات الأوروبية ليست ذات أهمية بالغة في الآونة الراهنة، إذ لا بد لإردوغان من التخلص من وجود بعض السوريين على أراضي البلاد بصورة أو بأخرى.
وتتعلق الخطة التركية الحديثة لدى إردوغان بنقل ما يصل إلى مليوني لاجئ سوري إلى المنطقة الآمنة، المنشأة خصيصاً على طول الحدود التركية السورية. ويتطلب الأمر دفع الأكراد من «قوات سوريا الديمقراطية» إلى مسافة 30 كيلو متراً (18 ميلاً) بعيداً عن الشريط الحدودي التركي. وتكمن أهداف الحملة العسكرية التركية الجارية، والمدانة على نحو صريح من قبل جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية، في زيادة الأمن على الحدود بإبعاد القوات الكردية المعادية، مع إخراج اللاجئين السوريين خارج الأراضي التركية.
ولا تحظى تلك الخطة، بطبيعة الحال، بالشعبية لدى أنصار حقوق الإنسان والحكومات الأوروبية: فهي الخطة التي تحل كارثة إنسانية عن طريق خلق كارثة إنسانية جديدة. لكن من غير المرجح اتخاذ الإجراءات القاسية ضد أحد البلدان الحليفة في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي فإن الأمر لن يتجاوز الإدانة الأوروبية مع بعض الصخب الإعلامي المصاحب.
كذلك الحال بالنسبة إلى تهديدات السيد إردوغان. فهو يستطيع نقل اللاجئين السوريين بالحافلات إلى الحدود السورية، تماماً كما فعل ما أولئك الذين فشلوا في تسجيل هوياتهم لدى المكاتب الحكومية التركية، ويمكنه تركهم في المناطق السورية الخاضعة حالياً لسيطرة القوات التركية. بيد أنه لا يستطيع تحميل اللاجئين على متن السفن، وإرسالهم إلى اليونان. فمثل هذه التصرفات من جانب حكومته من المرجح أن تشكل فصل النهاية، ربما على نحو مؤقت، للاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية التركية، وربما يدفع ذلك الاتحاد الأوروبي إلى رفض استقبال السفن التركية على أي حال.
وعبارة «فتح البوابات»، تعني في المقام الأول عدم منع اللاجئين من الذهاب إلى أوروبا، طواعية، أو منع المتاجرين بالبشر من إنشاء مراكز على سواحل البحر الأبيض المتوسط التركية. ومع ذلك، لم تفعل تركيا الكثير لوقف عبور اللاجئين والمهاجرين في الآونة الأخيرة: فلقد تم تسجيل المزيد من تدفقات اللاجئين شهرياً على جزر بحر إيجه منذ الصيف، مقارنة بأي وقت آخر خلال العامين الماضيين.
والبوابات مفتوحة بالفعل. فخلال العام الحالي، ارتفع عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى اليونان عن طريق البحر بصورة كبيرة للغاية.
ومن غير المرجح أن يرغب الكثير من الناس في تلك الرحلة الآن. إذ إن الظروف المعيشية في مخيمات اللاجئين في بحر إيجه معروفة تماماً لدى السوريين الذين يعيشون في تركيا. وبالنظر إلى البطء الشديد الذي تعالج به السلطات اليونانية طلبات اللجوء السياسي لديها، فإن المستقبل قاتم للغاية بالنسبة لمن يفكر في عبور البحر. ويمكن لأوروبا التعايش مع الزيادة الحالية في عدد الوافدين، حتى وإن كان ذلك يعني تخفيف الأعباء على اليونان عن طريق إعادة توطين عدة آلاف من الأشخاص.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
8:2 دقيقه
TT
غزو اللاجئين لأوروبا... خدعة إردوغان الجديدة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة