مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

لسانك حصانك

في أيام المراهقة كان لي زميل أعطاه الله بسطة في الجسم، وهوايته الوحيدة هي الاستعراض والتفرس بجسده أمام كل مرآة، وكل طموحه تنمية عضلاته و(تهذيبها وتشذيبها)، وليس هناك مجلة رياضية متخصصة إلا ويشتريها، وكانت أمنيته الوحيدة هي أن يشترك يوماً في مسابقة (كمال الأجسام).
وكنت على الدوام أسخر من رياضته المفضلة هذه، وأصارحه بالقول: يا فلان إنني أفهم جميع الرياضات حتى التي لا أستسيغها مثل المصارعة والملاكمة بسبب العنف المصاحب لهما، غير أن فيهما على الأقل شيئاً من الحركة والمناورة والتكتيك، أما رياضة كمال الأجسام فليس فيها إلا أن يدهن الواحد من المتسابقين جسمه بزيت (Banana boat) لكي يكتسب اللون البرونزي، ثم يلبس أخونا بالله مايوهاً هو أصغر من المايوه العادي، وأكبر قليلاً من المايوه أبو خيط، ثم يبدأ الممارس أو المتسابق (بتفنيص) عضلاته - أي فردها -، والاستدارة بجسمه المتورّم (المتبطنج) ذات اليمين وذات الشمال.
ويبدو لي أنه (انقمص) أو انزعج من كلامي هذا، فران علينا قليل من الصمت قطعه عندما التفت لي يسأل: هل تعلم أنك عندما تحك أنفك أو يحرك الكلب ذيله، إنما أنتما تشتركان في قاسم مشترك بينكما؟!
لا أكذب عليكم فقد شعرت بالإهانة، لكنه سارع موضحاً وهو يقول: إنني أعني القاسم المشترك ألا وهو (العضلات)، التي يشترك فيها حتى الطفل الرضيع عندما يحبو لأنها هي التي تحركه، وتشاركه أيضاً المرأة التي تتولد عندما (تطلق)، وتشترك فيها كذلك الفتاة في كل شهر عندما تتألم ويتقلص رحمها، ويشترك فيها يا (باشا)، القلب عندما يضخ الدم، والأمعاء عندما تهضم الطعام.
ثم سألني سؤالاً أضحكني لأنه ليس له خانة بالإعراب ولا يمت لموضوعنا بصلة قائلاً: ما رأيك بالأرانب؟!، أجبته بتهكم: (والنعم) فهي مثلي الأعلى بالوداعة، فقال: لقد وضعوا (عضلات) أرانب في ثلاجة، وبعد عام أخرجوها وعندما وصلت لدرجة الحرارة الطبيعية دبت فيها يا سبحان الله الحياة، وسوف يصل العلماء يوماً لتحريك عضلات الإنسان بعد تجميده.
قلت له: إنني بعد أن أودع بعد عمر طويل، لا أريد منهم إلا أن يجمدوا لي سوى عضلة واحدة ثم يعيدونها للعمل، سألني ما هي؟!، قلت له: لساني (!!)
رد علي: ألم تجد هناك ما هو أعدل من لسانك، أين أنت من عينك أو عقلك مثلاً - هذا إذا كان لديك عقل-.
أجبته: بالمثل القائل: لسانك حصانك، إذا صنته صانك، وإذا خنته خانك، وأتبعت كلامي قائلاً: وخليك أنت يا فالح مع ربربة عضلاتك.