د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

وكالات التصنيف الائتماني

بعد الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها المملكة العربية السعودية في منتصف شهر سبتمبر (أيلول) والتي استهدفت منشأتين نفطيتين لشركة «أرامكو»، أعلنت وكالة التصنيف الائتماني (فيتش) تخفيض تصنيف السعودية منA+ إلى A، وذلك بسبب ما سمته «التوترات العسكرية والجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة» و«تدهور الموقف المالي للسعودية». هذا ما تذرعت به (فيتش)، التي مضت بقولها إن أحد الأسباب التي دعتها إلى هذا الخفض هو احتمالية تعرض المنشآت النفطية إلى هجمات أخرى تتسبب في ضرر اقتصادي.
ومن الناحية المنطقية، قد يبدو هذا البيان غير مفهوم، فبالنسبة للموقف المالي السعودي، فهو لم يختلف بعد تعرض المملكة للهجمات الإرهابية بسبب تعويض النقص في الإنتاج من الاحتياطي الوافر، إضافة إلى تأكيد وزير الطاقة السعودي على تعويض جميع الأضرار واستعادة الطاقة الإنتاجية للحقول النفطية المتضررة مع بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) (وهو ما تم فعلاً). وعليه فإن محصلة الصادرات النفطية السعودية لم تتغير بسبب الحادث الإرهابي. إضافة إلى ذلك، فخفض التصنيف بناء على توقعات تعرض المنشآت لهجمات أخرى يبدو مستغرباً، والحديث هنا عن خفض التأمين بسبب التوقعات المستقبلية، وليس بسبب الهجمة الإرهابية نفسها، فالمملكة حليف رئيسي في الحرب على الحوثي في اليمن منذ أكثر من 4 سنوات، وتعرضها لهجمات إرهابية هو أمر وارد طوال هذه المدة (وحتى قبل الحرب)، ولم يؤثر ذلك في تصنيف المملكة من قبل.
وقد انتقدت عدة دراسات علمية طرق تقييم بعض وكالات التصنيف الائتمانية من عدة جوانب، أول هذه الجوانب هو عدم وضوح منهجية التصنيف. فتتشارك أكبر وكالات التصنيف وهي «موديز» و«فيتش» و«إس آند بي» في استخدام معايير كميّة مثل الناتج القومي للفرد، والدين العام وتاريخ التخلف عن الالتزام بتسديد الديون، إضافة إلى مستوى الشفافية الحكومي أو جودة المؤسسات الحكومية. إلا أن ما يُؤخذ على هذه الوكالات هو عدم وضوح أوزان وأهمية هذه المعايير في احتساب التصنيف، وبررت إحدى الدراسات أن الوكالات لا تفصح عن هذه الأوزان لأنها تغيرها باستمرار، إضافة إلى اختلاف الأوزان من دولة لأخرى. وثاني جوانب الانتقاد يتعلق باحتساب معايير غير كميّة تعتمد بشكل كبير على مناظير وآراء شخصية، تجعل هذا التصنيف في بعض الأحيان أقرب إلى الرأي الشخصي منه إلى التقييم العلمي. وهذا ما يبدو في حالة المملكة تحديداً، فلا يوجد معيار رقمي يستشرف احتمالية إصابة المملكة بهجمات مستقبلية، كما يستحيل أيضاً أن يتغير الموقف المالي للمملكة خلال أسبوعين فقط (وهو الفارق بين الهجمة الإرهابية وخفض التصنيف).
ودعت وزارة المالية السعودية في بيان رسمي وكالة فيتش إلى إعادة النظر في هذا التقييم، وهي ليست الأولى في نشر مثل هذا البيان، وإن كان بيانها أكثر رصانة من بيانات لجهات دولية أخرى. ففي عام 2011، استهجنت المفوضية الأوروبية أسلوب وكالات التصنيف الائتمانية بشكل حاد وهجومي، ووصفت وكالة «موديز» بأنها منحازة ضد كل ما هو أوروبي. أما الصينيون، فانتظروا شهراً كاملاً بعد خفض تقييمهم في عام 2016، ليصرحوا بعدها بأن التصنيف ليس انعكاساً على أداء الاقتصاد الصيني، ولو كان كذلك لاختلف أداء الاقتصاد الصيني خلال هذا الشهر. مضيفين أن السوق المالية تشكل مؤشراً أكثر دقة في أداء الاقتصاد من التصنيف الائتماني. وفي عام 2017، هاجم المستشار الاقتصادي للحكومة الهندية وكالات التقييم، واصفاً تقييماتها بالمتناقضة. وفي العام ذاته، وبعد خفض التصنيف الائتماني لروسيا، صرح وزير المالية الروسي بأن الوكالات تفشل حين تقييمها بأخذ عوامل مهمة اقتصادياً في الحسبان، مثل الاحتياطيات الدولية وأداء الصناديق السيادية، وهو ما ينطبق على الحالة السعودية كذلك.
إن الضربة التي لا تقصم الظهر تقوّيه، والهجوم الذي أصاب «أرامكو» أبعد ما يكون عن القاصم لظهرها، بل على العكس فقد أظهر أنها - وحتى مع كونها شركة مدنية - قادرة على تجاوز هجمات عسكرية. ومثل هذا التجاوز، من شأنه تقوية موقف الاقتصاد السعودي وتوضيح متانته، لا التشكيك في قدرة السعودية المالية. ولو كان تخفيض التقييم منطقياً لخفضت جميع الوكالات تصنيف السعودية، بحكم أن هذه الوكالات تستخدم طرقاً كميّة متقاربة، وهو ما يؤكد الانتقاد الأكاديمي أن بعض الوكالات تؤثر على التصنيف بمعايير كيفية تؤثر على منهجية التقييم، وتعتمد على آراء شخصية بشكل أو بآخر.