د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

خطوط الطيران في مأزق

قبل ما يقارب 100 عام، انطلقت أول رحلة جوية تجارية في الولايات المتحدة، استغرقت الطائرة حينها 23 دقيقة لتقطع مسافة لا تزيد على 34 كيلو متراً. كانت هذه الرحلة الخجولة الطموحة بداية للطيران التجاري في العالم، الذي شهد ثورة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولم يزده الزمن بعدها إلا أهمية. واليوم يبلغ مجموع الكيلومترات التي يقطعها المسافرون حول العالم أكثر من 8 تريليونات كيلو متر سنوياً. ويبلغ عدد المسافرون سنوياً أكثر من 4.6 مليار مسافر، ويزيد حجم صناعة الطيران على 850 مليار دولار بعد أن كان لا يزيد على 322 مليار دولار قبل 15 عاماً! ووصل عدد شركات الطيران في العالم إلى 5500 شركة، تقوم بما يقارب 102 ألف رحلة يومياً، بنسبة إشغال تزيد على 81 في المائة، وأكثر من 49 ألف خط ملاحة جوي.
لا شك أن هذه الأرقام تبدو مبهرة لصناعة من أكثر الصناعات حساسية وأهمية في العالم، وتشكل جزءاً لا يختلف اثنان على ضرورته في الحياة اليومية. إلا أن هذه الصناعة لا تبدو اليوم بحالة مستقرة، فقد أعلن اتحاد النقل الجوي الدولي منتصف هذا العام خفض توقعاته لأرباح النقل الجوي لعام 2019 من 35.5 مليار دولار إلى 28 ملياراً، منخفضاً حتى عن أرباح العام الذي يسبقه. والمتأمل في هذه الأرباح يرى أن هامش الربح لشركات الطيران منخفض جداً مقارنة بحجم هذه الصناعة وأهميتها. ويُتوقع أن يكون متوسط هامش ربح شركات الطيران 3.2 في المائة لعام 2019، بعد أن كان 3.7 في المائة العام الماضي. وعلى الرغم من أن شركات الطيران تحقق أرباحاً مستمرة للسنوات العشر السابقة، إلا أن أرباحها في انكماش مستمر بسبب التنافسية والزيادة المستمرة في التكاليف التي زادت بنسبة 7.4 في المائة عام 2019، مقابل زيادة أقل في العوائد بلغت 6.5 في المائة، حتى وصل ربح شركات الطيران للمسافر الواحد إلى 6.12 دولار فقط!
وشركات الطيران تتأثر بعوامل لا حدود لها، ولعل أكثرها تأثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة هي سعر الوقود، فقد زاد سعر وقود الطيران بأكثر من 27 في المائة، كما زادت تكلفة التوظيف والضرائب المفروضة على الطيران. كما اتضح أن خفض توقعات الأرباح لهذا العام هو انعكاس للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ذلك أن الشحن الجوي للسلع التجارية بين البلدان يشكل رافداً جوهرياً لشركات الطيران. وإضافة إلى هذه الأسباب الاقتصادية والسياسية، تتأثر خطوط الطيران بالعوامل الأمنية بشكل مباشر، فبسبب أحداث «الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)»، سجلت شركات الطيران أكثر من 13 مليار دولار من الخسائر. وفي عام 2003 سجلت شركات الطيران أكثر من 7 مليارات دولار من الخسائر بسبب انتشار وباء متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس). هذه الأحداث تبين أن صناعة الطيران حساسة جداً للمتغيرات الخارجية، وأنها لم تعد صناعة مضمونة الأرباح، بل على العكس من ذلك تماماً.
وفي آخر تقاريره، توقع اتحاد النقل الجوي الدولي أن أربع مناطق من ضمن ست، قد تحقق أرباحاً في عام 2019. وهي الأميركتان وأوروبا وآسيا، حتى مع توقعه انخفاض هذه الأرباح، وأن منطقتي أفريقيا والشرق الأوسط قد تحققان خسائر. وتبلغ الخسائر المتوقعة للشرق الأوسط أكثر من 1.1 مليار دولار لهذا العام، وقد يكون لخسائر «الخطوط القطرية» اليد الطولى في هذه الخسائر، فقد أعلنت الشركة عن خسائر تعدت 630 مليون دولار في سنتها المالية الأخيرة.
إن صناعة الطيران أصبحت بحاجة إلى ثورة جديدة بتأثير يماثل تأثير ظهور الطيران التجاري، ثورة تكون حلًا لمشكلاته المتعددة اليوم، من زيادة التكاليف وضيق فرص التوسع في ظل احتكار صناعة الطائرات بين شركتي «بوينغ» و«إيرباص». كما أن الضرائب البيئية المفروضة على شركات الطيران لن تستمر كما هو الحال الآن، فكما أثرت على صناعة السيارات، فالدور لا محالة قادم على شركات الطيران. وقد تلعب الطائرات المسيّرة دوراً مهماً في مستقبل الطائرات، وهذه النوعية من الطائرات محصورة على الاستخدامات العسكرية في هذا الوقت، تماماً كما كانت كل الطائرات في سابق الزمن. واستثمار الطائرات المسيرة في الطيران المدني من شأنه تخفيف التكاليف على الطيران التجاري، وحل بعض من مشكلاته.