تيلر كوين
TT

نقص العمالة وأسعار الفائدة السلبية

يبلغ حجم الدين الذي يدفع عائداً سلبياً بمختلف دول العالم في الوقت الحالي 17 تريليون دولار.
يذكرني هذا الأمر بما قيل لي في صغري، وقبل أن أصبح خبيراً اقتصادياً، بأن هذا الأمر لن يحدث أبداً. كان من المفترض أن يسهم العالم المترابط وسهل الاتصال في زيادة عائدات رأس المال، وليس العكس. فقد كان ينظر إلى العائدات السلبية باعتباره أمراً مستحيلاً.
اتضح أن هذ الاعتقاد كان خاطئاً، لذلك هناك تفكير شائع حالياً حول أسعار الفائدة السلبية. فالمشكلة ليست بالضرورة فائضاً في رأس المال، لكن مشكلة نقص العمالة.
هناك العديد من الفرضيات التي تحاول شرح تطور أسعار الفائدة السلبية: توقعات الركود، وتباطؤ النمو العالمي، والبحث المتزايد عن الملاذات الآمنة، والفكرة القائلة بأن الكثير من استثمارات الشركات تتضمن رأس مال أقل من السابق (قارن مثلاً بين «جنرال موتورز» في الماضي و«فيسبوك» اليوم). من دون استبعاد كل ما سبق، أود أن أضيف إلى ذلك حقيقة التفكير في صعوبة بدء عمل تجاري.
سيقول لك أصحاب رأس المال المغامر أن هناك الكثير من الأفكار الرائعة، وأن ما ينقصنا فقط هو التنفيذ. ببساطة، لا يوجد ما يكفي من مؤسسي الأعمال الموهوبين. وللتدليل على ذلك، فقد أظهرت الأبحاث الاقتصادية أن عدد الشركات الجديدة قد تباطأ، وهذه إشارة مقلقة للاقتصاد، وقد تساعد أيضاً في تفسير تلك العوائد السلبية.
فقط فكر في هذا السيناريو: أن تستثمر في السندات الألمانية في عائد سلبي، لكن هذا ليس بالاقتراح الجذاب. ومع ذلك، ربما تكون قد استثمرت بالفعل بكثافة في الأسهم الألمانية والأميركية. ونظراً لأن أسواق الأسهم تتحرك معاً أكثر من ذي قبل بسبب العولمة، فقد تكون متردداً في رفع مستوى المخاطرة. علاوة على ذلك، في الولايات المتحدة، حيث أكبر سوق أسهم في العالم، فقد انخفض عدد الشركات المتداولة في البورصة بشكل كبير.
لذلك قد تبحث عن استثمارات أقل ارتباطاً في الأسهم لتمنحك عائداً أعلى، وقد تفكر في الاستثمار في رأس المال المجازف، وهي إحدى طرق الاستثمار في الشركات الجديدة. لكن في حين أن الشركات الجديدة يمكن أن تصبح في نهاية المطاف عالية الربح، فإن معظمها قد يفشل. وفقاً لتقدير العودة إلى رأس المال الاستثماري، ربما ينجح 20 في المائة فقط من المشروعات الممولة، وهذا يحدث في محافظ أكبر شركات رأس المال الاستثماري. (تختلف التقديرات إلى حد كبير، لكن الجميع يوافق على أنه من الصعب الوصول إلى الفائزين الكبار).
الآن فكر في سيناريو من عالم بديل: هناك فرصة أكبر وحركة حولنا في كل مكان: مثلاً تجرى حالياً معالجة قضايا عدم المساواة التعليمية، وتراجع التمييز ضد النساء والأقليات وغيرها من التصنيفات. والولايات المتحدة لديها سياسة هجرة معقولة، وتتخذ مدنها خطوات فعالة بغرض تعديل وخفض الأسعار، ما يسهل الطريق أمام الشركات الناشئة لجذب المواهب والحفاظ عليها.
النتيجة هي ظهور العديد من المواهب للشركات الناشئة. عندما يتعلق الأمر برأس المال الاستثماري، فبدلاً من أن تحقق شركتان أداءً جيداً من أصل 10 شركات، قد تكون هناك 3 شركات من أصل 10. مع زيادة الفائزين الكبار أيضاً. ومن شأن ذلك أن يجلب زيادة كبيرة في العائدات، أي ما يقارب 50 في المائة، إذا كانت المواهب الجديدة تتناسب مع المواهب القديمة في التأثير.
ووفق هذا السيناريو، فإن رأس المال يتدفق من الأوراق المالية ذات العائد السلبي إلى المشروعات، أو بطرق مختلفة لبدء وتمويل شركات جديدة. إذن من المحتمل أن تنتقل عائدات الأوراق المالية الحكومية إلى المنطقة الإيجابية لجذب الأموال من المحافظ. بمعنى آخر: ينبع الركود الكبير في العائدات من الركود في إيجاد وحشد المواهب.
هناك الكثير من الضيق بشأن تبديد العالم للإمكانات البشرية، وهناك أيضاً نقاشات عديدة حول العائدات السلبية.
أنا لا أقول هنا إن نقص العمالة الموهوبة هو السبب الوحيد للعائدات الاسمية السلبية، لكن العوائد السلبية باتت الآن منتشرة على نطاق واسع لدرجة أنه لم يعد بالإمكان تجاهلها باعتبارها انحرافاً. تجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة لديها أكثر أسواق رأس المال المخاطر تطوراً في العالم، ولم تنتقل بعد إلى منطقة العائد السلبي.
أتفق مع فكرة أن العائدات السلبية هي نتيجة لقوى هيكلية أكبر، وهذا هو بالضبط السبب في أن أفضل طريقة للتفكير فيها ليست من الناحية المالية البحتة، بل في أنها عرض من أعراض صعوبة العثور على المواهب.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»