عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

«جمهوريون» بريطانيون يلجأون إلى الملكة

بقي واحد وثمانون يوماً على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي سواء عدّلت المفوضية الاتفاق أو خرجت البلاد بلا اتفاق تجارة مثلما وعد رئيس الوزراء بوريس جونسون.
تسعة عشر بلداً من مجموع سبعة وعشرين اقتصاداتها مجتمعة دون مستوى اقتصاد بريطانيا وحدها، وهو من أهم أسباب عرقلة بروكسل لـ«بريكست».
اعتمد المفاوض الأوروبي على ضعف حكومة تيريزا ماي (يونيو «حزيران» 2016- يوليو «تموز» 2019) لتمييل كفة الميزان لصالحه.
اليوم أوروبا قلقة من تشدد حكومة بوريس جونسون وعدد الخروجيين البريكستيين فيها، الغالب على صوت البقائيين الموالين لبروكسل وكانوا يسيطرون على حكومة ماي.
بروكسل تراهن على الضعف الذي تسببه الفُرقة. فأغلبية نواب وستمنستر مع البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو الموقف السائد على شبكات التلفزيون وصناعة الرأي العام، بينما أغلبية الدوائر التي يمثلها النواب صوتت بالخروج.
البقائيون يبذلون أقصى الجهود لعرقلة الخروج.
السهم الأخير في جعبتهم هو محاولة تعديل سير العمل البرلماني لإصدار قرار في قوة القانون يمنع البلاد من الخروج من دون التوصل إلى صفقة مع بروكسل.
وبجانب صعوبة الإجماع على صيغة القرار بشرطية نفي النفي، فإن أيام العمل البرلمانية المتبقية تضيّق حيز المناورة.
البرلمان يعود للانعقاد من الإجازة الصيفية، الأربعاء، الرابع من سبتمبر (أيلول) هذا العام، ثم يُرفع مرة أخرى، الجمعة 13 سبتمبر، لموسم انعقاد مؤتمرات الأحزاب السياسية السنوية. أي ينعقد لخمسة أيام عمل كاملة وثلاثة أنصاف أيام عمل.
جدول الأعمال في يد الحكومة حسب التقاليد الدستورية. فالأجندة اليومية تحدَّد بالتنسيق بين زعيم المجلس الوزير في حكومة الأغلبية جيكوب ريس - موغ، ومكتب رئيس الجلسات جون بيركو. الأول يحفظ عن ظهر قلب كل سابقة سير عمل برلماني منذ القرن العاشر، وبالتالي لن يكون لقمة سائغة في يد الأخير الذي لا يُخفي معارضته للخروج. وكان بيركو قد خرق السوابق البرلمانية لصالح البقائيين متحججاً بأنه يجتهد في غياب دستور مكتوب بتعديلات جديدة ستصبح سابقة.
البرلمان يعود للانعقاد مرة أخرى بعد المؤتمرات الحزبية – وقد تتغير قيادات بعض الأحزاب التسعة الموجودة (الحزب العاشر «شين فين» الجمهوري بآيرلندا الشمالية لا يحضر الجلسات) بجانب ستة عشر من المستقلين.
البرلمان يعود للانعقاد في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول)، يعني أحد عشر يوماً كاملاً وستة أنصاف أيام.
عدد الأيام كلها لا يكفي لتنفيذ السيناريوهات التي يخطط لها البقائيون، بدءاً من التصويت بسحب الثقة من حكومة جونسون التي انخفضت أغلبيتها البرلمانية الآن إلى صوت واحد فقط بعد خسارة انتخابات فرعية الأسبوع الماضي وهجرها عدد من النواب شكّلوا مجموعة التغيير المستقلة.
حزب العمال المعارض يفكر في سيناريو ثالث على خطوتين.
وزير مالية حكومة الظل المعارضة جون مكدونل، الماركسي الاشتراكي ورغم أنه جمهوري من دعاة إلغاء الملكية، فإنه يريد التقدم بالتماس إلى الملكة لتفصل رئيس الوزراء لأنه فقد الأغلبية وتعيين رئيس حكومة وحدة وطنية.
زعيم المعارضة العمالية جيرمي كوربين، أرسل خطاباً إلى السير مارك سيدويل السكرتير الدائم لمجلس الوزراء ورئيس السلك الوظيفي التابع للدولة، لا الحكومة، يطلب منه استخدام صلاحيته كممثل للتاج لمنع رئيس الوزراء جونسون من إخراج البلاد من الاتحاد الأوروبي بلا صفقة.
الوضع معقّد دستورياً. الملكة تمكنها إقالة رئيس الوزراء إذا كان سيتخذ سياسة تضر بالمصلحة القومية، وهذا يتطلب اتباع القصر اللوائح الدستورية المدونة، وإذا غابت حالة معينة عن اللوائح يلجأون إلى السوابق الدستورية.
القصر منذ قانون التعديلات الدستورية في 1832 لا يحبذ التدخل المباشر في سير الحكومة. التقاليد أن رئيس الوزراء عند تقديم استقالته يقترح اسم خليفته فيُستدعى إلى القصر ويكلَّف تشكيل الحكومة عند التأكد من أهليته، أو تأمر الملكة، بعد التشاور مع رئيس الحكومة المستقيل، بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات.
آخر إقالة لرئيس حكومة كانت في عهد الملك ويليام الرابع (1756 - 1837) في 1834عندما فصل رئيس الوزراء ويليام لام (1779 - 1848) بعد أربعة أشهر فقط في داوننغ ستريت لأنه أراد تكوين ائتلاف سيؤدي إلى أزمة برلمانية.
آخر تدخل غير مباشر للملكة إليزابيث الثانية كانت نصيحة في مايو (أيار) 2010 عقب انتخابات برلمان معلق واستمرار الديمقراطيين الأحرار في التفاوض بين العمال والمحافظين لعدة أيام، فأرسلت الملكة إلى السكرتير الدائم لمجلس الوزراء تأمر بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة قبل انتهاء يوم الجمعة وإغلاق أسواق المال خشيةً على سعر العملة إذا فتحت الأسواق يوم الاثنين بلا حكومة في بريطانيا.
طلبُ زعيم المعارضة من سيدويل التدخل جزءٌ من خطة البقائيين لجر القصر إلى جانبهم في معركتهم السياسية لمنع «بريكست».
إذا نجح البقائيون وحزب العمال المعارض بمساعدة عدد من المحافظين كوزير المالية السابق فيليب هاموند، والمدعي العام الأسبق دومينيك غريفز، في سحب الثقة من بوريس جونسون يكون أمامه، دستورياً، أربعة عشر يوماً لتكوين حكومة أخرى وإذا فشل يقدم الاستقالة للملكة ويطلب منها حل البرلمان وإجراء انتخابات. وبحساب الأيام البرلمانية المؤقتة فعلى الأغلب ستكون الانتخابات بعد 31 أكتوبر موعد «بريكست» وهو ما يريد البقائيون منعه.
حل البرلمان يبدأ فترة الخمود «البوردا»، أي تصبح الحكومة مؤقتة يجب ألا تتخذ قراراً يقيد يدي الحكومة القادمة.
لكن الموعد مثبت بقانون برلماني قائم، أي لا يخضع لقاعدة البوردا، ولهذا يحاولون إيجاد حيلة دستورية لتدخل القصر.
المعارضة العمالية مع البقائيين يبحثون خطة إيجاد مرشح لتشكيل حكومة وحدة وطنية ليطلبوا من الملكة تعيينه رئيساً للوزراء بدلاً عن جونسون كسابقة 1834.
لكن من غير المحتمل أن يضمن زعيم المعارضة جمع 322 صوتاً لأن أكثر من خُمس نوابه البالغ عددهم 247 من التيار البليري لن يتبعوه، كما أن أربعة عشر من العمال بريكستيون لن يصوّتوا معه، كذلك عشرة نواب آيرلندا الشمالية.
وحتى في حالة نجاح هذا السيناريو، فالإجراء المتوقع أن تكلف الملكة سكرتيرها الخاص السير إدوارد يونغ، بالتشاور مع القضاة الدستوريين ومع السكرتير الدائم سيدويل، لأن قانون 2011 بتثبيت الفترة البرلمانية بخمس سنوات نزع صلاحية حل البرلمان من القصر ومنحها للبرلمان بتصويت الثلثين.
السابقة التي غالباً ما سيهتدي بها القصر كانت في 1979 عندما فقد رئيس الوزراء العمالي جيمس كالاهان (1912 - 2005) الثقة، كان بإمكان الملكة التدخل وتعيين زعيمة المعارضة لكنها عملت بنصيحة كالاهان وحلّت البرلمان وكانت الانتخابات التي جاءت بمارغريت ثاتشر.
وإذا كان الساسة تسرعوا، وأصدروا، مستقلين عن التاج، قوانين غير مدروسة العواقب، فلماذا يريدون اليوم من الملكة التدخل لحل مشكلاتهم؟