ماركوس آشوورث
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

حرب العملات الأميركية الصينية وعواقبها الوخيمة

لم يستغرق الرئيس الأميركي دونالد ترمب، كثيراً من الوقت ليغرّد بشأن الأمر. إن حصولك على 7 يوانات صينية مقابل الدولار الأميركي الواحد للمرة الأولى منذ عام 2008 كان كافياً لإثارة حفيظة، وربما غضب، المسؤولين في البيت الأبيض لا سيما في خضم المعركة الاقتصادية المشتعلة بين واشنطن وبكين. وسرعان ما غرد الرئيس ترمب، بأن بكين كانت تتلاعب بالعملة، وسأل عما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي منتبهاً للأمر!
وعلى الرغم من أن لاري كودلو، المستشار الاقتصادي للرئيس ترمب، كان قد استبعد أي تدخل حتى الآن من وزارة الخزانة الأميركية لإضعاف الدولار، فسوف يكون من قبيل التداولات الجريئة إن اعتمد هذا الأمر بقيمته الاسمية.
ربما أن أكثر ضحايا هذا الصراع الشديد بين أقوى دولتين في العالم هم الأوروبيون واليابانيون الذين قد ينتهي بهم الأمر إلى تحمل تبعات الأضرار الناجمة عن مجريات الصراع. وتملك وزارة الخزانة الأميركية والسلطات الصينية المقدرة على تصعيد أو تهدئة الإجراءات العدائية المتعلقة بالعملة. وبعد مرور سنوات على السياسات النقدية فائقة الاتساع، لم يعد أمام اليابان ولا الاتحاد الأوروبي المزيد من مجالات المناورة الدفاعية الخاصة بهما.
تمكّن الاتحاد الأوروبي من تقليص سعر الفائدة وفق بنك الاحتياطي الفيدرالي، وقال زميلي فرديناندو جيوليانو مؤخراً، إن البنك المركزي الأوروبي سوف يكون مسروراً بالتخفيض النسبي في أسعار الفائدة الذي اعتمده بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والذي جعل الدولار أكثر قوة في مقابل اليورو (وهي نعمة لا يشعر بها إلا الجهات التصنيعية الأوروبية المكافحة). بيد أن سلسلة جديدة من خطوات التخفيف والتسهيل من جانب الولايات المتحدة سوف ترجع بقصة مختلفة تماماً. إذ أطلق البنك المركزي الأوروبي بالفعل أكبر حزمة من السياسات النقدية في تاريخه من خلال الإشارة إلى التحرك نحو المعدلات الأكثر سلبية بعد فصل الصيف، ثم إعادة تفعيل مشتريات السندات الصافية. وبذلك ينفد ما لدى الاتحاد الأوروبي من وسائل الدفاع النقدي المعتبرة.
وفي الأثناء ذاتها، يعد اليوان الصيني الضعيف، في حد ذاته، من الأنباء السيئة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. وكما أشار كيت جاكس، محلل العملات لدى «سوسيتيه جنرال»، فإن اليورو أكثر عرضة للتداول مع اليوان الصيني عن تداوله مع الدولار الأميركي. والارتفاع غير المرغوب فيه في سعر اليورو، في أثناء محاولات الولايات المتحدة والصين إضعاف قيمة العملات لديهما، سوف يشكّل كارثة محققة للجهات التصنيعية الأوروبية التي تعتمد على الصادرات، ومن شأنه أن يغرق القارة الأوروبية في مستنقع الركود.
تحرك اليورو مرتفعاً بشكل حاد مؤخراً مقابل اليوان الصيني، وللوقوف على مدى سوء الأوضاع الراهنة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لا بد من النظر إلى القوة الصناعية الأوروبية الأولى: ألمانيا. تساوي صادرات البلاد ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنسبة 12% للولايات المتحدة، و20% للصين. وألمانيا هي الدولة الأكثر عرضة للتجارة الدولية على الرغم من ازدهار الاقتصاد المحلي وتراجع معدلات الديون. وليس الرئيس ترمب في وضع يسمح له بتقديم أي خدمات للألمان أو لشركات صناعة السيارات العملاقة لديهم.
أما اليابان، وهي ثالث أكبر اقتصاد على مستوى العالم، فلا تزال تحت رحمة أكبر منافسيها حتى الآن. وتعززت قيمة الين الياباني في الآونة الأخيرة مقابل الدولار الأميركي إلى المستويات المبكرة المسجلة في أوائل عام 2018. ويعود إلى تقييمات عام 2016 مقابل اليوان الصيني. وهذا الأمر يضع ضغوطاً كبيرة على حكومة شينزو آبي الحالية في جهودها المحمومة لإنعاش الاقتصاد.
ولا ينبغي لأحدنا افتراض أن الحرب الجارية بين الولايات المتحدة والصين بشأن العملة – فضلاً عن ذكر الحرب التجارية المشتعلة بالفعل – هي من الأمور التي لا محيد عنها. إذ إن اليوان الصيني ليس من العملات العائمة تماماً، مما يعني أن الصين لا تزال تبسط سيطرتها الواضحة من الناحية الاسمية على عملتها المحلية (على الرغم من أن الأمور قد خرجت عن السيطرة الشيء القليل في عام 2016). وفي حين أن الصين قد تكون مسرورة بإرسال إشارة مفادها امتلاكها القدرة على تعزيز عملتها، فإن هذا بلا شك يعد مجرد إشارة تحذيرية كما قال الزميل شولي رين من قبل.
تملك الولايات المتحدة النفوذ للمواصلة والمقاومة. ولكن مما يؤسف له، أن أولئك الذين تلاعبوا بالفعل بأسعار الفائدة السلبية وبأدوات التيسير النقدي الكمي هم أقرب اللاعبين من المقامرة غير المحسوبة بالعملات العالمية.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»