د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

«بلاي ستيشن» و«أتاري»

مخطئ من يقلل من سوق الألعاب الإلكترونية؛ سواء من ناحية الحجم أو من ناحية عدد المستهلكين. ويعتقد الكثيرون أن الألعاب الإلكترونية تختص بصغار السن فقط، إلا أن الإحصائيات تشير إلى أن متوسط أعمار من يلعبون الألعاب الإلكترونية - أو من يسمون بالـ«غيمرز» (gamers) - هو 34 سنة! ويرتفع هذا المعدل لدى النساء ليصل إلى 36 سنة! فيما لا تتعدى نسبة «الغيمرز» ممن تقل أعمارهم عن 18 سنة عن الثُلُث. كما تشير الإحصائيات إلى أن 11 في المائة ممن يلعبون الألعاب الإلكترونية في الولايات المتحدة تزيد أعمارهم عن 50 سنة، وأن 60 في المائة من الأميركيين يلعبونها بشكل يومي.
وحجم سوق الألعاب الإلكترونية ضخم جداً، فعدد «الغيمرز» حول العالم يتعدى مليارين ونصف المليار شخص، وحجم سوق الألعاب السنوي يصل إلى 135 مليار دولار، بنسبة نمو تزيد على 13 في المائة سنوياً! ووصلت عوائد هذه السوق في آسيا وحدها إلى 71 مليار دولار عام 2018.
وكما هو متوقع، فقد سال لعاب الشركات الضخمة أمثال «آبل» و«غوغل» و«أمازون» لهذه الأرقام ولهذه السوق الواعدة، فأعلنت «غوغل» في مارس (آذار) الماضي عن إطلاق منصتها للألعاب والتي سمتها «ستاديا». وترى «غوغل» إمكانية تغيير مفهوم سوق الألعاب من كونها ألعاباً تقليدية تلعب من خلال أجهزة تختص بالألعاب، إلى ألعاب توفر بشكل كامل عن طريق الخدمات السحابية، دون الحاجة إلى شراء أجهزة كما هو الحال مع أجهزة «سوني بلاي ستيشن» و«مايكروسوفت إكس بوكس». ويضرب المثال في تغيير هذا المفهوم بما فعلته شركة «نتفليكس» بتغيير مفهوم مشاهدة الأفلام من الأشرطة التقليدية التي تشاهد عن طريق أجهزة الفيديو أو الأسطوانات المدمجة، إلى مشاهدتها عن طريق الإنترنت بشكل مباشر دون الحاجة إلى تحميلها على الحاسبات.
وبعد إعلان «غوغل» بشهر واحد، أعلنت «أبل» أن منصتها المختصة بالألعاب، والتي سمتها «أركيد»، يتوقع أن تنطلق مع نهاية العام الحالي. واستثمرت «أبل» ما يقارب 500 مليون دولار في هذه المنصة، وتشير التوقعات إلى أن عوائدها قد تصل إلى 370 مليون دولار عام 2020. و2.7 مليار عام 2022، لتبلغ 4.5 مليار دولار عام 2024.
وتستند «أبل» إلى قاعدة عريضة من العملاء، يتوقع أن يشترك 29 مليوناً منهم في هذه الخدمة التي سوف تبدأ بسعر اشتراك لا يتعدى 12.99 دولار. كما أنها تخطط إلى إغراء مطوري الألعاب بالحوافز في حال جعلوا ألعابهم حصرية على أجهزة «أبل». وتمتلك «غوغل» و«أبل» مراكز للبيانات تؤهلهما إلى الاستثمار في هذا القطاع، كيف لا والأولى لوحدها تدير بمراكز بياناتها خدمات خرائط «غوغل» و«يوتيوب».
ولأول مرة منذ نشأة الألعاب الإلكترونية، زادت نسبة «الغيمرز» من مستخدمي الهواتف الذكية على أمثالهم من مستخدمي الأجهزة التقليدية. وبدا هذا الأمر مقلقاً للشركات المختصة بالألعاب الإلكترونية، وخاصة «سوني» و«مايكروسوفت» اللتان باعتا أجهزة ألعاب تزيد عن 130 مليون جهاز. ومع إعلان «غوغل» و«أبل» عن دخولهما هذه السوق بشكل رسمي، بدا «لسوني» و«مايكروسوفت» أنهما مقبلتان على نوع آخر من المنافسين، نوع يمتلك موارد مالية غير محدودة، وأدوات تقنية لا منتهية، وقاعدة عملاء ضخمة... لذلك، وبعد أقل من شهر من إعلان «أبل» عن منصة «أركيد»، أعلنت شركتا «سوني» و«مايكروسوفت» عن توقيع مذكرة تفاهم للعمل على مشروع منصة ألعاب سحابية مشتركة، تمكن عملاء الشركتين من استخدامها.
ولم يكن أحد يتصور من قبل أن تجلس هاتان الشركتان على طاولة واحدة لتوقيع اتفاقية، وهما اللتان تصارعتا في مجال الألعاب الإلكترونية لأكثر من عقدين، إلا أن الزمن اختلف، ودخول منافسين جدد غير قواعد السوق، لتتفق الشركتان على جعل دخول هذه السوق أكثر صعوبة باتحادهما ضد القادمين الجدد.
إن دخول الشركات الجديدة كفيل بتغيير مفهوم سوق الألعاب، ولعل أول هذه التغييرات هو كيفية طريقة بيع الألعاب، فكما كان مشاهدو الأفلام سابقاً يدفعون مقابل كل فيلم، أصبحوا الآن يدفعون باشتراك ثابت شهري في «نتفليكس»، وقد يصبح الأمر كذلك بالنسبة للألعاب، وإن لم تخرج شركات الألعاب التقليدية بحل مماثل، فقد يكون مصيرها الخروج من السوق.
ولذلك فإن الشراكة بين «سوني» و«مايكروسوفت» تسعى للمحافظة على حصتهما السوقية، ووأد محاولات الشركات القادمة إلى السيطرة على هذه السوق الضخمة. وأما من يستنكر إمكانية خروج عمالقة من السوق مثل «سوني» و«مايكروسوفت»، فعليهم القراءة عن شركة «أتاري»، وهي أم شركات الألعاب الإلكترونية منذ السبعينيات من القرن الماضي الميلادي، وهي الآن أصبحت مجرد تاريخ غير معروف لكثير من أبناء هذا الجيل.