علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

خصومات

كنت في الولايات المتحدة الأميركية عام 1980 ميلادية، وتحديداً في ولاية كولورادو وفي مدينة صغيرة تدعى «فورت كلنز».
وتعني «قلعة كلنز»، وهي تبعد عن دنفر عاصمة كولورادو نحو ثمانين ميلاً، ورغم صغر المدينة وكونها مدينة تعليمية تعتمد في وجودها على جامعة كولورادو، أي أنها مدينة غير تجارية، فإن شركة الهاتف لها تسعيرة رسمية مقابل الدقيقة، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك هاتف نقال؛ بل كنا نعتمد على الهاتف المنزلي الثابت.
وكانت الشركة تثبت التسعيرة الرسمية من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة عصراً، وهو وقت عمل القطاع التجاري والخدمي للمدينة. وبعد الخامسة مساء تمنح خصومات حتى التاسعة صباحاً، وتمنح خصومات أعلى في إجازة نهاية الأسبوع أي يومي السبت والأحد، وكان الطلبة العرب وغير العرب ينتظرون نهاية الأسبوع للتواصل مع ذويهم.
الفكرة ببساطة تهدف إلى عدم إشغال الخطوط الهاتفية أوقات الذروة وتركها لأهل التجارة والمؤسسات الرسمية المحدد عملها بأوقات محددة وموظفيها لا يمكنهم تأجيل مهاتفاتهم، فيما يتم إغراء الأفراد بالخصومات وتأجيل مهاتفاتهم إلى ما بعد الخامسة، أو في نهاية الأسبوع، والأفراد يتحملون تأجيل المكالمات وأيضاً يرغبون في الخصم، الذي يشجعهم على التأجيل، مما يوفر خطوط الاتصال لمن هم أكثر حاجة ولا يتحملون تأخير المكالمات لارتباطهم بجهات ذات مواقيت محددة للعمل.
اليوم أنا في المملكة المتحدة، أو «المملكة العظيمة» كما يحلو للإنجليز أن يسموها. وشركات الكهرباء تعطي خصومات لمن يستخدم الكهرباء خارج أوقات الذروة، ومن المعروف أن المستهدف من ذلك الأفراد، والهدف من ذلك تخفيف الأحمال على خطوط الكهرباء وتركها في أوقات الذروة لمن لا يستطيعون تأخير الاستخدام.
سيقول قائل وماذا سيوفرون؟ أتوقع أن الوفر سيقترب من 30 في المائة إذا تم على سبيل المثال تأجيل غسل الثياب وكيها إلى ما بعد الذروة، وكذلك التوفير في وسائل التكييف والتدفئة. ومع الخصم ورغبة الحصول عليه، فإن الأفراد سيؤجلون استخدام الكهرباء للحصول على التخفيض، وبذلك يقللون الضغط على خطوط الكهرباء ويوزعون الأحمال، وبذلك يستفيد المستخدم وتستفيد شركة الكهرباء، لأن توزيع الأحمال يطيل عمر خطوط الكهرباء.
في عالمنا العربي لا نرى مثل هذه الخصومات رغم شح الكهرباء في بعض البلدان العربية، لدرجة أن شركات الكهرباء في بعض الدول العربية تفصل التيار عن بعض الأحياء في المدينة ساعات معينة وبالتناوب بين الأحياء، حتى لا تزيد الأحمال وينقطع التيار عن كامل المدينة.
لو أن هذه الدول استخدمت الخصومات خارج أوقات الذروة، فهل ستحتاج لفصل التيار الكهربائي عن حي كامل فيه محلات تجارية ومستشفيات تحتاج للكهرباء 24 ساعة؟ نظراً لأن بعض المرضى يعيشون على أجهزة مساعدة الحياة مثل أجهزة الأوكسجين، كما أن المحلات التجارية والمنشآت التجارية لا تستغني عن الكهرباء ساعات عملها مما يضطرها لاستخدام المولدات الذاتية، وهي مكلفة ليس مادياً فقط؛ وإنما في الوقت أيضاً فهي بحاجة للصيانة إضافة إلى تلويثها البيئة.
في السعودية مررنا بتجربة سابقة قبل نحو ثلاثين عاماً، إذ شحت الكهرباء ففرضت الشركة على المصانع أن تعمل خارج أوقات الذروة لتوفير الكهرباء للناس، فلو أن الشركة استخدمت نظام الخصومات فهل ستحتاج لمثل هذا الفرض؟ لا أعتقد ذلك. ولكن من حسن الحظ أن هذه التجربة لم تطل لأن الشركة قامت بزيادة إنتاج الطاقة مما سمح لها بتغطية طلب كل المحتاجين للكهرباء.
ما الذي يمنعنا في العالم العربي من استخدام مثل هذا الأسلوب؟ لا يمنعنا سوى اتخاذ القرار الذي سيكون في مصلحة الجميع كمنتج ومستهلك.