مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

إعادة عصر «خالد شيخ محمد»!

«لو سلَّم القطريون خالد شيخ محمد استجابةً لطلبنا عام 1996 لكان العالم اليوم مختلفاً».
هذه الخلاصة كتبها ريتشارد إيه كلارك، المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب في إدارتي الرئيسين الأميركيين بيل كلينتون وجورج بوش، في مقالة مثيرة له عن دور قطر في إيواء قادة الإرهاب وإخفائهم منذ فجر التسعينات، حين كانت مطابخ «القاعدة» تفوح بتحضير الأطباق السامَّة التي تناثرت على العالم مذاك حتى اليوم.
كتب كلارك ذلك، وأكثر، في مقالة له بـ«ديلي نيوز» عن قصة إيواء الدوحة للإرهابي خالد شيخ محمد، ونشرته صفحة «العربية».
اليوم تطالعنا صحيفة «وول ستريت جورنال» بقصة خطيرة، وخسيسة في آن، حاصلها أن هذا المدبر الأكبر للإرهاب، صاحب الأصول الباكستانية، والطالب بأميركا، خالد شيخ محمد، مستعد لصفقة قضائية مع الولايات المتحدة تُلغى فيها عقوبة الإعدام عنه، مقابل أن يشهد ضد السعودية في الدعاوى المرفوعة من عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية التي وقعت في 2001.
نعم، هكذا بكل ثقة وبراءة الأطفال في عينيه!
لم أرَ جرأة مثل جرأة جماعة الحكم بقطر، يعني يفترض عدم «فتح السيرة» هذه، بالذات مع خالد شيخ محمد ومَن أعانه، فرجال المخابرات الأميركية، وليست السعودية، يعلمون تماماً كيف أخفت الدوحة ودعمت ثم هرَّبت خالد شيخ محمد. السلطات الأميركية اعتقلت خالد شيخ محمد في مارس (آذار) 2003 لأنه كان مدبر هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011 الفظيعة على نيويورك وواشنطن. المعلوم والمنشور أن خالد شيخ محمد كان موظفاً بمصلحة المياه القطرية، في ذروة الطلب الأمني الأميركي عليه، خصوصاً بعد تورطه في تدبير محاولة لتفجير طائرات أميركية قرب مياه الفلبين عام 1995 كانت بروفة لهجمات 11 سبتمبر. كان من أبرز المتورطين عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني، وزير الأوقاف ووزير الداخلية، المتهم بإيواء خالد شيخ محمد و100 متشدد في مزرعته في قطر.
ألحَّت أجهزة الأمن الأميركية في القبض على هذا الرجل، وعلموا أنه في الدوحة، بل وفكروا في اختطافه من الدوحة من خلال قوة خاصة على غرار القبض على نورويغا البنمي أو أسامة بن لادن في أبوت آباد. أكثر من ذلك فكر الأميركان بقوة عسكرية كبيرة تفرض الأمر الواقع وتحاصر خالد شيخ محمد في مخبئه بالدوحة، لكن تراجعوا، لأسباب سياسية وبيروقراطية، عن ذلك، حسب كلارك، فاستقر الرأي على أن يطلب من سفير الولايات المتحدة «التحدث مع أمير البلاد وحده. لكن طلب من الأمير أن يتحدث مع رئيس جهاز الأمن القطري فقط. وفي غضون ساعات من اجتماع سفير الولايات المتحدة مع أمير قطر، اختفى خالد شيخ محمد عن الأنظار تماماً».
يقول كلارك، مرة أخرى، لو سلمَنا القطريون حينها خالد شيخ محمد لتغير وجه العالم... واليوم يريد القطريون عصر إسفنجة الصديق القديم، بعد نحو 16 عاماً على سجن رجلهم في غوانتانامو، من خلال شياطين المحاماة... هزلت!