إميل أمين
كاتب مصري
TT

أكذوبة الصواريخ الدفاعية الإيرانية

طهران أدمنت الكذب والمراوغة بالقدر نفسه الذي أدمنت به التلاعب على المتناقضات، وتسويف الوقت، إنها تعرف أهدافها بشكل جيد، وتسعى إلى تحقيقها عبر آليات شريرة، مهما كان من شأن اعتراض المجتمع الدولي، ذاك الذي لا تقيم له وزناً في أي من الأوقات.
آخر الأكاذيب الإيرانية موصولة بتجربتها الصاروخية الأخيرة، التي رصدتها ولا شك الأقمار الصناعية الأميركية، فقد قامت إيران، الأربعاء الماضي، أي منذ أقل من أسبوع، بإطلاق نسخة جديدة من الصاروخ الباليستي «شهاب 3»، بغرض معلن، هو تحسين دقة ومدى إصابته للأهداف التي سيطلق عليها.
الفجاجة كلها تتجلى في التصريحات الإيرانية التي رافقت إطلاق الصاروخ، إذ قال مصدر عسكري إيراني إن التجارب التي تجريها إيران تندرج في إطار حاجاتها الدفاعية، وإنها ليست موجهة لأي دولة... هل إيران في حاجة إلى صواريخ تدافع بها عن نفسها، ومن يتهددها في نطاقها وسياقها الجغرافي، أم أنها هي من يهدد الآخرين أمس واليوم وغداً؟
الإيرانيون المصابون بداء الغطرسة الإمبراطورية، وإن كانت غطرسة واهية، وستقودهم في نهاية الأمر إلى مآل مشابه لبقية الدول التوتاليتارية التي عرفها التاريخ، يرون أن المشهد أمر طبيعي، وأنهم يطورون تلك القدرات لردع أي عدوان محتمل، في استمراء للترويج لمظلومية فارغة، وترديد أكاذيب جوفاء، إذ إنه ما من أحد في منطقة الخليج استخدم صواريخ هدد بها الجيران سواها، وهي البارعة في استخدام أذرعها الميليشياوية في هذا الإطار.
أسئلة عديدة تطرح نفسها بنفسها إزاء التجربة الصاروخية الإيرانية الأخيرة، ومنها: هل العالم في مواجهة رسائل استفزازية إيرانية جديدة؟
ذلك كذلك بكل تأكيد وتحديد، إذ تقدم على مثل هذا التصعيد في ظل أزمة احتجازها لناقلات نفط بريطانية، عطفاً على تهديدها لحركة الملاحة البحرية في مياه الخليج العربي، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، ويقطع بكونها تهديداً إقليمياً ودولياً كبيراً.
سؤال آخر: هل إيران بتجربتها الأخيرة تنتقل إلى مدارات أكثر خطورة بالنسبة للمجالين الإقليمي والدولي؟
الشاهد أن ترسانة إيران الصاروخية تزداد منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي، واليوم تمتلك صواريخ «سفير» ومداها نحو ألفي كيلومتر، و«بي إم 25» ومداها نحو 2500 كيلومتر، و«سجيل» ومداها 2400 كيلومتر، وربما بات الأهم من هذه الأنواع ما تقوم به من تطوير مستمر لصواريخ «كروز»، وطالما مضت سادرة في غيها على هذا النحو، فإن أحداً لن يسلم من الأذى الذي تخطط له وتتدبره بليل بهيم.
لماذا يخشى العالم من امتلاك إيران مثل هذه النوعية من الصواريخ؟
الجواب من دون أي جهد في التفكير متعلق باستخدامها لمن نطلق عليهم وكلاء الشر، وفي المقدمة منهم الميليشيات الحوثية الانقلابية في اليمن، تلك التي استخدمت من أراضي المملكة العربية السعودية ميداناً لضرب النار، عبر مئات الصواريخ البعيدة المدى التي أطلقتها على الآمنين هناك، مستهدفة مناطق آهلة بالسكان، وإن استطاع الدفاع الجوي للمملكة إسقاط معظمها.
مرة جديدة نتساءل: هل على العالم أن ينتظر مولد نازية جديدة بصواريخ إيرانية مشابهة لصواريخ هتلر؛ تلك التي دمرت أوروبا في الحرب العالمية الثانية؟
الشاهد أن مواجهة ومجابهة صواريخ إيران أمر لم يعد شأناً خليجياً أو شرقاً أوسطياً فقط، إننا إزاء انتهاك إيراني واضح وفاضح للقرار الأممي 2231 الصادر عن مجلس الأمن عقب الاتفاق النووي لعام 2015، الذي يلزم إيران بوقف تلك الاختبارات لمدة 8 سنوات، لكن إيران لا تقيم وزناً لأحد، ولا تعتد بأي اتفاقيات، إنها فقط مجرد محطات مؤقتة بمثابة مسكنات تحاول أن تعالج بها خوف المجتمع الدولي منها، لكن يبقى غرضها الرئيسي ماثلاً أمام أعينها.
آخر نقاط الزيف الإيراني فيما خص برنامجها الصاروخي تلخصت في تذرعها بأنها سوف تفكر في وقف تلك التجارب، وأن تقبل فرض قيود على صواريخها، حال توقفت الولايات المتحدة عن بيع أسلحة متطورة لخصوم إيران.
قراءة في المعكوس دوماً هي رؤية إيران، إنها تجيد وضع العربة أمام الحصان، ففيما هي تشعل المنطقة بإرهابها، وتقود الإقليم إلى عدم الاستقرار، تحاول إلقاء عبء الإشكالية على الآخرين، لتتهرب من الاستحقاقات المتوجبة عليها.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تلوي فيها طهران عنق الحقيقة، فقد فعلتها في ربيع 2018، عندما ذهب وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، إلى طهران، في محاولة منه لوضع البرنامج الصاروخي على طاولة المفاوضات، ولم يحصل الرجل إلا على رد عبثي: «سنتوقف حال توقف الأوروبيون والأميركيون عن برامجهم الصاروخية».
تجربة «شهاب 3» رسالة خاصة جداً للولايات المتحدة، فالتوقيت له دلالاته، إذ إنه بمثابة تأكيد إيراني على أن كل الطرق الأميركية لإفساد المجال الصاروخي الإيراني لن تفلح، والمقصود هنا هو البرنامج السري الأميركي الذي أفسد في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين عدة تجارب لصواريخ إيرانية كانت تحمل أقماراً صناعية إلى الفضاء؛ الأمر الذي اعترف به علناً قائد القوة الجو فضائية التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، أمير على حاجي، وأكده وزير الخارجية محمد جواد ظريف في حوار له مع وسائل إعلام أميركية.
هل يود العالم رؤية تجربة صواريخ هتلر تتكرر من جديد؟