بوبي غوش
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»
TT

فشل مغامرة إيران تجاه ناقلات النفط

إذا حكمنا على الأمور بالاعتماد على دعايات النظام الإيراني، فسنجد أن «المقاتلين الشجعان للحرس الثوري الإسلامي احتجزوا مدمرة تابعة للأسطول البريطاني مزودة بصواريخ موجهة».
وتكشف مقاطع مصورة جرى تداولها رجالاً تابعين للحرس الثوري يهبطون على متن سفينة، بينما يتابع زملاء لهم الأمر من على متن قوارب سريعة تسير إلى جانب المدمرة الكبيرة، ويشجعونهم بصيحات «الله أكبر!» وتكشف صور أخرى الرجال وهم يتقدمون بحذر وفضول على ظهر السفينة، شاهرين أسلحتهم الآلية استعداداً لخوض معركة حامية الوطيس.
وعجَّت وسائل الإعلام الإيرانية بتقارير حول النصر العسكري التاريخي المبين! إلا أن الاختلاف الوحيد هنا أن السفينة التي سقطت في الأسر لم تكن مدمرة حربية منيعة مدججة بالصواريخ والرجال المسلحين، وإنما ناقلة نفط صغيرة تدعى «ستينا إمبيرو» تحمل على متنها 23 مدنياً، ولم يكن بينهم فرد واحد يحمل المواطنة البريطانية.
ونظراً لأن أفراد الطاقم كانوا من الهند وروسيا ولاتفيا والفلبين، حرم أفراد الحرس الثوري من جائزتهم الكبرى، وهي خروج وسائل الإعلام حاملة صورة بحارة الأسطول البريطاني وهم جاثون على ركبهم وأيديهم خلف رؤوسهم في إذعان.
وبالتالي عجز النظام الإيراني عن إصدار نسخة مكررة من الصور التي التقطت لبحارة أميركيين في هذا الوضع عام 2016، والتي أعاد الإيرانيون طرحها بسعادة خلال مسيرة «يوم الثورة» ذلك العام.
بغض النظر عن كل ذلك، سيجد الحرس الثوري الإيراني بالتأكيد وسيلة عبقرية للاحتفاء بأحدث إنجازاته. في تلك الأثناء، يمكن للجنرالات النعيق بخصوص «القوة الدفاعية والهجومية الإيرانية»، والتحذير من «جوانبهما المفاجئة والتي يتعذر التكهن بها».
ومع هذا، تظل الحقيقة أن احتجاز «ستينا إمبيرو» لم يكن مفاجئاً ولا يتعذر التكهن به، ولم يكن كذلك حدثاً مروعاً، فالقراصنة الصوماليون المسلحون بمواعين فولاذية وأسلحة صغيرة سبق أن سيطروا على سفن أضخم بكثير. والواضح أن الإيرانيين على وشك اكتشاف أن مغامرتهم البحرية تلك أثارت ضيق العالم، لكنها لم تفزعه.
يأتي احتجاز «ستينا إمبيرو» في أعقاب سلسلة من الهجمات ضد ناقلات نفطية داخل وحول خليج عمان، ويمثل احتجاز الناقلة سالفة الذكر أكبر بطاقة يمكن للجمهورية الإسلامية اللعب بها في مواجهة قوى غربية. وبعد أن لُعب بهذه البطاقة بالفعل، لم يعد أمام الحرس الثوري الآن أي خطوة أخرى يمكنه اتخاذها.
بالتأكيد سيحمل الاستيلاء على سفينة مدنية أخرى بعد اليوم مكاسب دعائية أقل، بينما من شأن مهاجمة المدمرة «إتش إم إس دنكان» التابعة للأسطول البريطاني أو سفينة تتبع الأسطول الأميركي، استثارة رد فعل انتقامي قوي، الأمر الذي حرص الإيرانيون على تجنبه حتى الآن.
ومن المفترض كذلك أن الإيرانيين لا يرغبون حقاً في أن يظهروا للعالم قدرتهم على إغلاق مضيق هرمز، خاصة أنهم في كل مرة يطلقون هذا التهديد يسارعون لإضافة عبارة: «لكننا لا نرغب في ذلك». المؤكد أن إغلاق ممر مائي تمر من خلاله ربع تجارة النفط العالمية لن يقتصر ضرره على الاقتصاد العالمي والخصوم الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وإنما سيثير مشكلات عميقة لأصدقاء إيران والمتعاطفين معها.
وبالتأكيد لن تسعد الصين والهند بتعطيل احتياجاتهما من الطاقة، في الوقت الذي ستتراجع صادرات العراق وقطر النفطية على نحو بالغ. والأهم من ذلك أن إغلاق المضيق سيعزز هدف إدارة ترمب بتقليص الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر.
والآن: ماذا أمام «الأبطال المغاوير» الذين أسروا «ستينا إمبيرو» و«الجنرالات العباقرة» خلفهم؟ إنهم الآن يواجهون إمكانية تدفق مزيد من سفن الأساطيل الغربية نحو منطقة الخليج، بهدف توفير حماية أفضل للملاحة المدنية. وتدعو بريطانيا، من جانبها، إلى تشكيل تحالف أوروبي لحماية الناقلات في مواجهة أي عدوان إيراني.
ومن المفترض أن يكون ذلك منفصلاً عن تحالف أميركي، لكن بالنسبة للإيرانيين لا يبدو هذا اختلافاً ذا قيمة، وفي حال وقوع أي هجوم آخر ضد ناقلة فستسقط آخر ورقة توت عن الموقف الإيراني.
في تلك الأثناء، هناك مسألة الناقلة الإيرانية التي احتجزتها سلطات بريطانية الأسبوع الماضي أثناء محاولتها نقل نفط إلى سوريا الخاضعة لعقوبات. والواضح أن المعركة القانونية حول «غريس 1» ستكون طويلة وشاقة. وإذا حالف الحظ النظام الإيراني، ربما يطلق سراح السفينة بحلول موعد تنظيم مسيرة «يوم الثورة» العام المقبل، ما يتيح الفرصة أمام استعراض آخر لانتصارات تافهة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»