د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

كيف يؤثر اللوبي الإيراني في أميركا على وسائل الإعلام الليبرالية؟

بالتزامن مع تصاعد الضغوط الدولية على النظام الإيراني، كثفت جماعات اللوبي الإيراني في الخارج، وخصوصاً في الولايات المتحدة نشاطاتها على المسار السريع لتخفيف الضغط عنه.
لسنوات كثيرة، أحرص بشكل روتيني في الصباح الباكر مع موعد القهوة، على قراءة صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» بدقة، من بين صحف يومية أخرى. بالنسبة لي معظم الأجزاء ممتعة؛ لكن أهمها كيفية تغطية قضايا الشرق الأوسط وإيران. وما لاحظته مؤخراً هو ازدياد الآراء المؤيدة لإيران في هاتين الصحيفتين المهمتين للغاية، لا سيما «واشنطن بوست».
على ما يبدو، تلعب الميول الليبرالية الغالبة على الصحيفة دوراً في هذا الأمر، لا سيما الخط الانتقادي المستمر ضد الرئيس ترمب، جعل الصحيفة بشكل مقصود أو غير مقصود، من المؤيدين للنظام الإيراني، وبات واضحاً تأثير وضغوط جماعات اللوبي الإيراني القوية في الولايات المتحدة.
لم أرَ أبداً مثل هذه التغطية المنحازة من قبل هاتين الصحيفتين، حسب متابعاتي لعقود للسياسة الأميركية، وللمجتمعين والحكومتين الأميركية والإيرانية. وأعلم جيداً أن هذا التغيير نابع من تحرك مجموعات اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، التي كنت شاهداً على نشأتها منذ فترة الشاه، وكذلك نشاطاتها خلال أربعين عاماً من حكم الملالي.
ومنذ أن غادر أوباما الرئاسة، وانتخب ترمب رئيساً، وأعلن معارضته الصريحة لسياسات نظام ولاية الفقيه علناً، والتي تجلت في إلغاء الصفقة النووية مع إيران، حدث تحول جذري من قبل الليبراليين الأميركيين ووسائل الإعلام اليسارية تجاه إيران، وباتت تتعاطف مع سياسات الملالي، خصوصاً في صحيفة «واشنطن بوست»، وبالطبع باستثناء الفترة التي كان مدير مكتبها في طهران، جيسون رضائيان، في السجن.
ومن المؤسف أن رضائيان، وبعد معاناة سنوات من اعتقاله في سجن «إيفين» الذي تم سجني فيه في عهد الشاه؛ حيث أمضيت سنتين في زنزانة انفرادية بمساحة 1.5 × 1 متر، قام بعد إطلاق سراحه وعودته إلى الولايات المتحدة، بنوع من التبرير لسياسات نظام الملالي، تحت ستار رفض العقوبات على إيران لأسباب إنسانية، وكتب كثيراً من المقالات التي تنتقد سياسة ترمب بخصوص العقوبات والاتفاق النووي، وغيرها. بالطبع لا تزعجني انتقاداته ضد ترمب؛ لكن من الواضح أن ميوله القومية المتطرفة هي التي أدت به إلى التعاطف مع الملالي، تحت ذريعة رفض الضغوط على إيران.
في الحقيقة، إنه لواقع محزن؛ حيث إن كثيراً منا، نحن الذين لم يصوتوا لصالح ترمب ويعارضون أجندته الداخلية، من أجل إنهاء حروب النظام الإيراني وسياساته الطائفية في المنطقة، ومن أجل إحلال السلام والحرية والعدالة الاجتماعية للإيرانيين، ندعم بحماس سياسة ترمب ضد نظام ولاية الفقيه. ويؤسفنا أيضاً أن صحيفة رائدة مثل «واشنطن بوست» تحولت إلى منبر للتعاطف مع النظام الإيراني المارق، سواء في أخبارها أو تحليلاتها أو مقالتها الافتتاحية والآراء. حتى بعض كتاب الأعمدة في «البوست» و«التايمز» نحوا هذا المنحى.
ويمكنني القول: إن مواقف هؤلاء المناهضة لترمب أعمتهم عن رؤية حقيقة سلوك نظام الملالي، وتجاهلوا المعارضة، ومطالب الشعوب الإيرانية المنتفضة ضد هذا النظام القمعي المستبد. ما لا يعرفه هؤلاء كتّاب الأعمدة، هو أن الإيرانيين يكرهونهم الآن؛ لأنهم اتخذوا مواقف مع مضطهديهم.
أولئك الذين يعرفون كيف تعمل الصحافة في الولايات المتحدة، يعلمون أن كل هذه المواقف المؤيدة لإيران، أو نشر ما يسمى الأخبار المزيفة والتحليلات المضللة، خصوصاً في مقالات الرأي؛ عادة ما تكون نتيجة تأثير النفوذ والعلاقات السياسية والاجتماعية.
أثناء التوترات العسكرية الأخيرة بين طهران وواشنطن خلال الشهرين الماضيين، كانت هناك تغطية مكثفة يومياً تقريباً؛ لكن من «التايمز» و«البوست»، وكان ملاحظاً الانحياز لآراء النظام الإيراني في التحليلات.
على سبيل المثال، في عدد يوم السبت 22 يونيو (حزيران)، نشرت «واشنطن بوست»، في تغطية الصفحة الأولى، عمودين منفصلين عن إيران، ومن ثم مقالات مختلفة لصحافيين مرموقين. وكان ذلك بعد يوم من إسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار «غلوبال هوك» من قبل «الحرس الثوري» الإيراني، وإلغاء ترمب الضربة العسكرية المحدودة على إيران؛ حيث كانت الأعمدة متعاطفة للغاية مع إيران. وكانت تلك المقالات والتقارير في معظمها تتعاطف مع الموقف الإيراني، بينما بعضها كان يهول من القوة العسكرية الإيرانية. كان هناك عمود بقلم تايلور تلفورد، يتحدث عن تأثير تلك التوترات على قمة مجموعة العشرين، وسوق الأوراق المالية الأميركية والأوروبية.
في الصفحة 18 المخصصة للمحررين، صورت التقارير والمقالات إيران بأنها هي الضحية المهددة بهجوم من قبل الولايات المتحدة، مع الثناء على الرئيس ترمب لإيقافه هجوماً محدوداً ضد بعض الأهداف الإيرانية، بسبب إسقاط «الحرس الثوري» طائرة أميركية من دون طيار وغير مسلحة، بقيمة 200 مليون دولار. كما أوصت المقالات بتخفيف ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها ضد إيران.
على مستوى أكثر أو أقل، زخرت أعداد «واشنطن بوست» ما بين 22 و27 يونيو بمواقف متشابهة. خلال ذلك الأسبوع، نشرت الصحيفة مقالاً مشتركاً لكل من أردشير زاهدي، وزير خارجية الشاه السابق، وعلي واعظ، مدير مشروع إيران في «مجموعة الأزمات الدولية»، وهو ناشط مؤيد لنظام طهران، ويكتب كثيراً عن التعاطف مع إيران. ويدعو المقال إلى السلام بين طهران وواشنطن، ويتباكى على الشعب الإيراني الخاضع للعقوبات الأميركية، والذي يعاني ويموت بسبب العقوبات الأميركية! متجاهلاً فقر وقمع وفساد الملالي، والكوارث التي خلقوها للبلاد على مدى 40 عاماً. وبطبيعة الحال، لم يشر المقال إلى دور الملالي في دعم نظام بشار الأسد لقمع الشعب السوري، ومقتل نصف مليون منهم، ولا إلى تفاخر نظام ولاية الفقيه باحتلال 4 عواصم عربية.
الآن، اللوبي الإيراني الأقوى «المجلس القومي الإيراني الأميركي» الذي يعرف اختصاراً بـ«ناياك»، نشط للغاية، ويبذل كثيراً من المال على شركات العلاقات العامة والمحامين. أعرف بعض شركات العلاقات العامة والمحاماة في واشنطن، التي تضمن لك تغطية صحافية ومقالات افتتاحية في أي من الصحف والمجلات الأميركية المرموقة، مقابل دفع مبالغ جيدة.
وبصرف النظر عن وسائل الإعلام، عملت اللوبيات الإيرانية مثل «ناياك» بقوة، على دعم وتمويل بعض المرشحين لجولة الانتخابات الأولى في يونيو، وكذلك الجولة القادمة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني). كنت أتابع وأراقب الانتخابات التمهيدية الأخيرة التي يدعم فيها «ناياك» المرشحين الإيرانيين - الأميركيين، لإيصالهم إلى مناصب سياسية عليا، سواء على مستوى الولايات أو على مستوى الحكومة الفيدرالية. وخلال الشهر الماضي، وعلى سبيل المثال، في 11 يونيو، عندما جرت الانتخابات الأولية في مقاطعة أرلينغتون بشمال فرجينيا، إحدى ضواحي واشنطن العاصمة، قام «ناياك» بدعم وإنفاق أموال لانتخاب السيدة الإيرانية - الأميركية، بريسا دهقاني - تافتي، لمنصب النائب العام للمقاطعة.
وتحت رعاية «واشنطن بوست» انتهز «ناياك» فرصة انتخاب السيدة بريسا تافتي ووصف انتخابها بأنه معاملة عادلة للأميركيين من أصل أفريقي، الذين يشكلون أقل من 9 في المائة من سكان مقاطعة أرلينغتون، باعتبار أن زوجها هو من أصل أفريقي.
ومن الواضح أن «ناياك» استغل فوز المرشحة التي لديها طفلان من زوجها الأميركي من أصل أفريقي، واستخدم المال والنفوذ لإنجاحها بالترويج لقضايا مثل مكافحة العنصرية، ومناهضة سياسة معاداة المهاجرين، و«من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية» وهي الشعارات التي يتجاهلونها عندما يتعلق الأمر بحقوق الشعوب الإيرانية.
في يوم الانتخابات، كان هناك مئات من مجموعات الضغط التابعة للوبيات الإيرانية، ومن ضمنها «ناياك»، داخل وحول المراكز الانتخابية التي زرناها.
أنفق «ناياك» ومجموعات اللوبي الإيراني الأخرى كثيراً من المال، لدعم كثير من المرشحين، من خلال الإعلانات على الصحافة والإذاعة التلفزيونية والإنترنت. كما يقوم أيضاً بدعم وتمويل مجموعات اللوبي الإيراني الأخرى، وبعض الشخصيات والناشطين، كما حدث في قضية الرسالة الموقعة من قبل الأكاديميين الإيرانيين والأميركيين، لدعم وتلميع نظام الملالي رغم الفظائع في الداخل، وتصوير النظام كضحية معرضة للحرب من قبل الولايات المتحدة.