فؤاد مطر
أحد كتّاب الرأي والتحليل السياسي في «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» منذ العام 1990 وقبلها عمل صحافياً وكاتباً في «النهار» اللبنانية و«الأهرام». نشر مجلة «التضامن» في لندن وله 34 مؤلفاً حول مصر والسودان والعراق والسعودية من بينها عملان موسوعيان توثيقيان هما «لبنان اللعبة واللاعبون والمتلاعبون» و«موسوعة حرب الخليج». وثَّق سيرته الذاتية في كتاب «هذا نصيبي من الدنيا». وكتب السيرة الذاتية للرئيس صدَّام حسين والدكتور جورج حبش.
TT

نسائم إنعاش سعودية ـ مصرية للكتاب

بموازاة الطفرة الترفيهية التي تتزايد إبهاجاً في المملكة العربية السعودية وتُقلص بالتالي من نسبة الذين اعتادوا على عيْش بهجة الترفيه غنائياً ومسرحياً وسينمائياً في دبي والقاهرة وبيروت وفي بعض دول أوروبا ثم ها هي تتوفر في مدن المملكة، تَلْفت الانتباه بداية طفرة ثقافية تبشر بالطمأنينة لعالم الكتاب والتأليف عموماً، فلا يتواصل هذا التراجع الذي يعيشه منذ سنتيْن قطاع النشر. وتتمثل بداية هذه الطفرة التي نشير إليها بخطوات نوعية بين الحين والآخر لوزارة الثقافة في المملكة والتي بعدما لم تعد توأم وزارة الإعلام ينشط وزيرها الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان الذي سجل مطلع يوليو (تموز) 2019 خطوة نوعية في المجال الثقافي تتمثل في جعْل «معرض الرياض الدولي للكتاب» المقبل (من 2 إلى 11 أبريل/ نيسان) 2020) استثنائياً بكل المقاييس وبحيث يعطى الكتاب حقه وتتجدد ظاهرة الكتاب الذي يمسَك باليديْن وتُقلَّب صفحاته وتوضع تحت بعض العبارات علامة استفهام بغرض المزيد من الاستفسار عن المقصود، وكذلك الكتاب الذي يُهدى والذي يوضع بالقرب من الوسادة قبْل النوم والذي يأخذ مكانه في المكتبة الخاصة لكل محب للقراءة إلى جانب كُتب سبق اقتناؤها وحِفْظها. والأهم من ذلك أن القراءة الإلكترونية لا تعود خاطفة الأبصار.
وفي حال لقيت الكتب المعروضة كثرة تسامُح أو قلة تشدُّد، ما دامت المملكة تعيش حالة نوعية من إعادة النظر في طقوس ومحظورات كثيرة، فإن ما تلخصه رؤية الوزير الأمير بدر للمعرض الآتي في ربيع العام 2020 هي أن المملكة تشهد قفزات في جميع الأصعدة حضارياً وثقافياً وأن الكتاب يمثِّل إلى جانب النشاطات والفعاليات الأُخرى من مزادات وندوات ومعارض لوحات، قيمة معرفية وثقافية أصيلة في تاريخ الثقافة السعودية والعربية عموماً. وعلى هدي هذه الرؤية يحدو مجتمعات الثقافة وقراءة الكتاب ورقياً الأمل بأن يكون المعرض خطوة إنقاذية للكتاب العربي، وهو هنا ليس الكتاب المدرسي على مختلف مستوياته الذي أصلاً ما زال في منأى عن التوعك، وبذلك تنجو دور النشر من المصير الصادم كالذي أصاب في الصميم بعض دور الصحف في لبنان والمرشح لأن يتنقل من بلد عربي إلى بلد بما في ذلك بعض دول الخليج. وهذا الاحتمال قرأْنا تلميحات حوله بأقلام صحافيين سعوديين أحدهم رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» خالد المالك، كما لمسْنا تلميحات مماثلة من بين كلام نشرتْه «الشرق الأوسط» حول عزوف اضطراري «الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع» عن إيصال كميات من الصحف إلى عدة مناطق في المملكة إلاّ إذا غطت المؤسسات الصحافية كلفة الإيصال والبالغة نحو عشرة ملايين دولار. وكيف ستُغطي في ضوء قلة الإعلان وكثرة التكلفة.
ومن محاسن الصدف أن خطوة نوعية في التوجه نفسه الذي يعزز شأن الكتاب وثقافة القراءة، أن وزيرة الثقافة في الحكومة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم حطت الرحال في بيروت بعد تسعة أيام من الخطوة التي اتخذها الأمير بدر في شأن «معرض الرياض الدولي للكتاب 2020» بحيث يكون استثنائياً وليس مجرد مناسبة من المناسبات، وافتتحت مع وزير الثقافة اللبناني محمد داود مكتبة «الهيئة العامة المصرية للكتاب» في شارع الحمراء الأكثر حيوية منذ الكسوف المتدرج للوسط التجاري الذي أراده الرئيس رفيق الحريري تحفة تجارية – معمارية لكن حالة عدم الاستقرار المتواصلة المفاجآت غير السارة حالت دون ذلك. ومثل هذا الافتتاح في عاصمة البلد الذي لا يساعد أُولو الأمور والمسؤوليات الأساسية فيه على إبعاد منغصات الفوضى والمخاوف عنه، هو كما الخطوة السعودية بمثابة نسائم إنعاش للثقافة من خلال الكتاب المطبوع والمصون من مافيات التزوير والمحترم من جانب المرجعيات الرسمية ممثلة برموز المسؤولين عن الثقافة.
وكما أن الخطوة المصرية هي في بعض ملامحها تحية للبنان الكتاب والثقافة والذي كما قالت الوزيرة المصرية «إنه يشكِّل مركزاً للإشعاع والثقافة والفنون»، فإن الخطوة السعودية تشكِّل بداية حقبة جديدة مأمولة لاستعادة شأن الكتاب المقروء ورقياً على أساس أن ما قاله الأمير بدر سيشجع دور النشر العربية وبالذات تلك التي تعيش تداعيات كبوة في لبنان بالذات على أن تنشط وتغادر شبه السكتة النشرية التي تعيشها نتيجة الكساد، وبحيث عندما يقترب موعد افتتاح معرض الرياض بالروحية الطموحة التي يبشر بها وزير الثقافة في المملكة تكون الإصدارات التي أنجزتْها دور النشر اللبنانية جاهزة لتأخذ طريقها إلى الأجنحة في المعرض المأمول أن يكون نجاحه نجاحاً استثنائياً. هنا يستحضر المرء القول الذي كان من معالم الزمن الماضي «بيروت تطبع والدول العربية تقرأ». وهنا أيضاً يحدو المرء الأمل بأن تستعاد حيوية مكتبات الدول العربية وبالذات مكتبات بغداد والبصرة والموصل ودمشق وحلب وطرابلس الغرب وبنغازي وتونس والرباط والدار البيضاء ومراكش والجزائر والرياض والخرطوم والكويت وعمان والمنامة والدوحة ومسقط والخرطوم ونواكشوط إلى جانب مكتبات الرياض وجدة ومكة والمدينة والدمام وأبوظبي ودبي والشارقة وبعض المكتبات في عواصم دولية مهتمة بالكتاب العربي.
... وفي استعادة شأن الكتاب المقروء ورقياً كثير الإفادة للعيون وللقلوب وللعقول. فليس مثل الكتاب جليس وبالذات إذا كان كلاماً طيِّباً على الورق.