حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

كوريا الجنوبية: إبهار كامل!

كوريا الجنوبية التي زارها ولي العهد السعودي، لها في ذاكرة السعوديين مواقف اقتصادية وذكريات لا تنسى. فشركات المقاولات منها ساهمت بشكل جدي وفعال وملموس في بناء البنى التحتية السعودية، وعرف عنها الجدية والاعتمادية والالتزام. وكان عمال شركات المقاولات التي تتعاقد في مشاريع خارج كوريا الجنوبية تخصم مدة عملهم فيها من فترة التجنيد العسكرية في بادرة لافتة.
كانت كوريا الجنوبية وقتها في طور الاستفاقة؛ كانت تحاول اللحاق بكوريا الشمالية التي كان اقتصادها أكبر بحكم انتمائها للمعسكر السوفياتي. وقتها كان فيها الحكم العسكري والفساد السياسي ينخر في عظام البلاد هناك.
اقتصادياً كانت كوريا الجنوبية «مهووسة» باليابان، فهي ابتكرت منظومة أعمال للشركات الكبرى باسم «التشيبول» مشابهة تماماً لمنظومة «السوجاشاشا» في اليابان. وبدأت كوريا الجنوبية «تقلد» المنتجات اليابانية، وأصبحت «هيونداي» نسخة من «تويوتا»، و«كيا» نسخة من «نيسان»، و«دايوو» من «مازدا»، و«سامسونغ» نسخة من «سوني» و«باناسونك»، و«إل جي» نسخة من «شارب» و«توشيبا» و«هيتاشي». فلقد كنا أول من مثل شركة السيارات الكورية «هيونداي» في السعودية، ووقتها كانت علامتها التجارية تعرف باسم «بوني»، ولم تلقَ النجاح بسبب ضعف الجودة. كذلك كنا أول من جاء بشركة مقاولات كورية واسمها «سام» وإن أبلت بلاءً حسناً، وتعاملنا مع شركة «دايوو» وتعرفنا عن قرب على واحدة من أكبر شركاتهم.
مع الوقت ومع تطوير جدي في الاستثمارات في التعليم والأبحاث والتطوير وتحسين المنتج المستمر، تمكن المنتج الكوري أن يتحول إلى أحد أنجح المنتجات، وبات يطلب بالاسم ويتصدر مكانة ومواقع الريادة في استطلاعات الرأي الخاصة بالقيمة والجودة، ومنح هذا الوهج والنجاح الثقة بالنفس للكوريين، واستمروا فدخلوا بقوة إلى مجالات المفاعلات النووية السلمية وبناء السفن الثقيلة، وبعدها توجهت وبقوة لتكون قلب آسيا الترفيهي، فأصبحت عاصمة الإنتاج السينمائي الجديدة متفوقة على هونغ كونغ بالنسبة للشرق الأقصى، وباتت أفلامها ومسلسلاتها تصدر وتشاهد حول العالم أجمع، بالإضافة طبعاً إلى النجاح والانتشار الواسع والعريض للموسيقى الشبابية الكورية المعروفة بالـ«كي بوب»، والتي بات نجومها أيقونات للشباب حول العالم.
مع هذا التوسع بدأ الأدب الكوري في الانتشار، والمطبخ الكوري يلقى القبول الدولي، والسياحة إلى كوريا تبلغ أرقاماً قياسية غير مسبوقة، مع عدم إغفال السياحة العلاجية لها بسبب التفوق والنجاح الطبي في مجالات مختلفة والسمعة الجيدة التي نالتها.
منذ خمسين عاماً كانت كوريا الجنوبية دولة فقيرة مهملة، اقتصادها ضعيف وبنية تحتية متخلفة، اليوم قصة نجاحها مبهرة وعامل الوقت في صالحها قبل أن تتوحد مع نصفها الشمالي كوريا الشمالية وتكون دولة أقوى.
السعودية لها علاقات قوية ومستقرة معها، واستثمارات استراتيجية في مجال النفط والبتروكيماويات، وهي اليوم تستحق أن نفتح معها مجالات التعاون بشكل أوسع، لأنها قصة نجاح تستحق الاحترام، والأرقام تتحدث بإبهار عن نفسها. كوريا كانت ورشة «تقليد» اقتصادية ودولة غير مستقرة سياسياً، اليوم هي قصة نجاح مبهرة.
زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى كوريا الجنوبية زيارة ذكية ويرجى منها الكثير جداً.