د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

السعودية عضواً في «فاتف»

حصلت المملكة العربية السعودية قبل عدة أيام على عضوية كاملة لمجموعة العمل المالي «فاتف». وتأسست المجموعة عام 1989 في باريس، من قبل مجموعة الدول السبع، وهي منظمة تعنى بإصدار المعايير والسياسات، وكذلك أفضل الممارسات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأصبحت المملكة العضو التاسع والثلاثين في هذه المنظمة بعد أن كانت عضواً مراقباً منذ عام 2015.
كانت رحلة المملكة في الانضمام لهذه المنظمة طويلة، وهي تعود إلى أكثر من 15 عاماً؛ حيث تم تقييمها لأول مرة في عام 2004، وبعد ذلك في عام 2010، وفي كلتا المرتين كانت المنظمة تعود إلى المملكة بتقرير يتضمن اقتراحات وتعديلات على أنظمتها. وكان التقييم الأخير في عام 2018؛ حيث حصلت المملكة بعدها على هذه العضوية الدائمة.
ولا يستغرب أن تتطلب عملية الانضمام لهذه المنظمة وقتاً طويلاً، فهي عملية معقدة قد يصل مداها إلى 6 سنوات بحسب المنظمة نفسها. فقد يستغرق إصدار التقرير التقييمي الواحد مدة تصل إلى 14 شهراً، وما يزيد هذه العملية وقتاً هو اشتراط اللجنة المقيمة وجود تقريرين للدولة. وتحتوي اللجنة على خمسة أو ستة خبراء من المنظمة أو من الجهات المتعاونة معها، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، كما يتضمن التقرير مقترحات تخص القوانين المفروضة والالتزام المالي والمراقبة المالية، إضافة إلى التعاون الدولي.
ولعل انضمام المملكة لهذه المنظمة في هذا التوقيت مهم لعدة أسباب، أولها كونه رداً على مزاعم الاتحاد الأوروبي بتورط المملكة في ممارسات تتضمن غسل أموال، والتي حاول بعدها الاتحاد الأوروبي وضع المملكة في قائمة تضم 22 دولة إضافة إلى المملكة قبل عدة أشهر. ولا شك في أن حصول المملكة على عضوية «فاتف» يعد نفياً قاطعاً لهذه المزاعم. إضافة إلى ذلك، فإن «فاتف» بصدد أن تكون الجهة المراقبة للعملات الإلكترونية، بتأسيسها قسماً خاصاً لسن التشريعات المختصة بمتابعة العملات الإلكترونية. وتشكل هذه العملات تحدياً للجهات الرقابية، بحكم صعوبة تتبع تحويلاتها التي تتم عن طريق أطراف مجهولة. وكون المملكة عضواً في «فاتف» يجعلها على اطلاع على الإجراءات المتبعة والتحديات الموجودة لسن هذه التشريعات.
كما أصبحت لمجموعة العمل المالي مهمة جديدة مؤخراً، وهي مراقبة التشريعات للتقنية المالية «فنتيك». فمع التوجه العالمي لزيادة الشمول المالي وتسهيل تحويل الأموال بشكل إلكتروني دون وجود وسيط مالي، تزيد صعوبة مراقبة هذه التحويلات. وحتى مع انخفاض نسبة استخدام التقنية المالية مقارنة بالطرق التقليدية، فإن حجم تداولاتها لا يستهان به، فقد زاد حجم هذه التداولات من تريليوني دولار في عام 2015 إلى 3.3 تريليون دولار في عام 2017، ويتوقع أن تستمر هذه الزيادة بنسبة 20 في المائة سنوياً، لتبلغ أكثر من 7 تريليونات دولار في عام 2021.
وفي حال تحقق طموح مارك زوكربيرغ، مؤسس «فيسبوك» أن يكون تحويل الأموال بالسهولة نفسها عند إرسال الصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإن أمام «فاتف» سنوات صعبة لمراقبة التطورات في التقنية المالية، وهو عبء لا يقل صعوبة عن عبء مهامها الحالية. ولذلك فقد أطلقت المنظمة مبادرة منفصلة سمتها «ريجتيك» تختص بسن التشريعات المتعلقة بالتقنية المالية. كل ذلك يعني أن هذه المنظمة لم تصبح معنية بالجانب الأمني المالي فقط؛ بل هي مرجع مهم لمستقبل القطاع المالي، والذي يعد حجر أساس في «رؤية المملكة».
إن دخول المملكة ضمن منظمة «فاتف» إنجاز مشكور للحكومة السعودية، متمثلة بجهات عدة، مثل وزارة المالية ومؤسسة النقد السعودي ووزارة الداخلية، وغيرها من الجهات الحكومية، إضافة إلى كونه إنجازاً للمصارف السعودية التي كانت جزءاً من هذا الإنجاز. وهو إنجاز سنوات من العمل الدؤوب على رفع معايير وأنظمة الالتزام المالي في القطاع المصرفي للمملكة، بكافة الجهات المسؤولة عنه. كما أنه يدخل في صلب «الرؤية السعودية» التي تهدف إلى تطوير القطاع المالي، سواء من خلال التقنية المالية وزيادة الشمول المالي لأكثر من النسبة الحالية، وهي 74 في المائة، أو من خلال ضمان التزام الجهات المسؤولة عن قانونية إجراءاتها.