جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

كيف يمكن لأميركا إبقاء مضيق هرمز مفتوحاً

إنه لصيف طويل وساخن في الخليج العربي هذه الأيام. لقد عملت في هذه المياه لفترات مطولة خلال حياتي المهنية بالقوات البحرية. وكنت على رأس السفن الحربية الأميركية أراقب الزوارق الحربية الإيرانية، بحذر شديد، لعدد لا يُحصى من المرات.
كان الإيرانيون، في بعض الأحيان، على قدر من الاحترافية، وكانوا يتبعون القواعد المعيارية للطرق الملاحية البحرية. وفي أحيان أخرى، كانوا من أسوأ وأكثر البحارة خطورة على الإطلاق، إذ كانوا ينطلقون بزوارقهم في سرعات عالية، ويوجهون الإهانات بلغة إنجليزية ركيكة عبر راديو غرفة القيادة بالسفن الحربية، وكانوا يشغلون رادارات إطلاق النيران الخاصة بهم. وكانت تلك السلوكيات تبلغ أشدها دائماً مع أيام الصيف الساخنة، مع وصول درجات حرارة سطح البحر في بعض الأوقات إلى 110 درجات فهرنهايت، وتزداد ارتفاعاً. أما الآن، وعلى اعتبار الأجواء الجيوسياسية الراهنة، فليس من المستغرب مواجهة موسم الصيف «الإيراني» القبيح في مياه الخليج العربي.
في إحدى مهام الانتشار عندما كنت قائداً لإحدى المدمرات، وجهت الأوامر بإطلاق النار من سلاح بعيار 50 قبالة مجموعة من الزوارق الحربية الإيرانية، ما دفعها في خاتمة المطاف إلى الارتداد والرجوع. وفي مهمة أخرى، وفرت السفينة الحربية، التي كنت أقودها، معلومات السيطرة الجوية للطائرات التي أطلقت صواريخ جو - جو على المقاتلات الإيرانية المقتربة في الأجواء.
يعتبر الإيرانيون متحمسين للغاية، ولا يسهل التنبؤ بهم إلى حد ما، ولا ينبغي التهوين من قدراتهم على الدخول في عمليات قتالية جادة - على المستويين العلني والسري. وقبل كل شيء، فإن هذه المياه من وجهة نظرهم هي مياه «إيرانية» خالصة، وركن من أركان الإمبراطورية القديمة الزائلة التي بنيت على أنقاضها إيران العصر الحديث.
تجلبنا هذه المقدمة اليسيرة إلى الأزمة الراهنة، التي تسببت بها الهجمات الموجهة ضد السفن التجارية في شهر مايو (أيار)، والهجمتان الأكثر خطورة اللتان وقعتا مؤخراً؛ تقول حكومة الولايات المتحدة إن تلك الهجمات نُفذت، على نحو شبه مؤكد، من قبل الجانب الإيراني، وإنه من الصعوبة اعتبار أي جهة أخرى مستفيدة من هذه التصرفات العدائية.
لقد بلغنا بذلك واحدة من أكثر المراحل خطورة في العلاقات الطويلة والمؤلمة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، منذ ثورتها في عام 1979 وأزمة احتجاز الرهائن الأميركيين التي أعقبت اندلاع الثورة. تشعر الحكومة الإيرانية بإحباط عميق إثر قرار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 بشأن برنامجهم النووي، وما تلا ذلك من إعادة فرض العقوبات المنهكة للاقتصاد الإيراني. ومع التعثر البالغ الذي يعاني منه الاقتصاد الإيراني والعملة المحلية، يدرك الملالي الحاكمون في البلاد أن الشعب الإيراني الذي يحكمونه سوف يزداد اضطراباً ورعونةً. ومع التعداد الإيراني البالغ 80 مليون نسمة، ونصفهم أقل من 35 عاماً من العمر، فإن هذه اللحظة هي من اللحظات الحاسمة بالنسبة للنظام الإيراني الحاكم. ويمكن للمرء استشعار حالة اليأس الجاثمة على صدور الساسة في طهران.
نتيجة لما تقدم، يبدو أن الجانب الإيراني بدأ في اقتباس صفحة من كتاب قواعد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون: الفت انتباه الغرب بالتصرفات الرعناء. وعلى غرار استعانة كيم بإطلاق الصواريخ الباليستية الطويلة المدى على حلفاء الولايات المتحدة، مثل اليابان، إلى جانب تجارب التفجير النووي بغرض إظهار القوة والعضلات، يبدو أن الجانب الإيراني يشعر أنه يستطيع استخدام الهجوم على الناقلات، وإغلاق مضيق هرمز، للحصول على بعض التنازلات من الغرب. والرسالة بسيطة للغاية: إذا لم ترفعوا بعضاً من الضغوط المفروضة علينا، فسوف نعطل سبل الشحن البحري في جميع أرجاء المنطقة، ومن وراء ذلك إمدادات النفط العالمية. يبدو أن الجانب الإيراني يعتقد أن واشنطن سوف تولي هاربة أو تتراجع في مواجهة هذه الهجمات. ولكن من السابق لأوانه كثيراً اللجوء إلى الحل العسكري المحض. فلا تزال لدى الولايات المتحدة أوراق تلعب بها، وينبغي الضغط على المكابح قبل أن يتطور التصعيد الراهن إلى حالة من الصراع تخرج عن طوق السيطرة.
أولاً، وقبل كل شيء، يجدر بواشنطن تجاوز مرحلة المواجهة المباشرة بين «واشنطن ضد طهران»، وتحويلها إلى سيناريو «العالم ضد إيران». ليس هناك تأييد عالمي يمكن الحصول عليه للهجوم على السفن التجارية غير المسلحة في أي مكان، لا سيما الناقلات العملاقة الحساسة للبيئة. والهجوم على سلاسل التوريد النفطية والبتروكيماوية سوف يثير حفيظة الجميع وغضبهم.
ثانياً، ينبغي على الولايات المتحدة محاولة إعادة بناء التحالف المناوئ لإيران، حتى يتضمن، وبقدر عال من الأهمية، شركاءنا في أوروبا واليابان، الذين تخلى الكثير منهم عن الدعم بانسحاب الإدارة الأميركية من الاتفاق النووي الإيراني. إن مواجهة إيران لا بد أن تكون جهداً جماعياً وليس منفرداً.
كما ينبغي على الولايات المتحدة استخدام قوتها الكاملة بين الوكالات الحكومية المعنية للضغط على إيران. والعقوبات هي من الأدوات الجيدة والمفيدة في هذه المرحلة، ولكن يمكن لواشنطن إضافة المزيد من الزخم إلى المعادلة عبر استقدام القدرات السيبرانية من وكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأميركية. ويمكن لمجتمع الاستخبارات الأميركي التشارك والتنسيق مع لاعبين إقليميين آخرين في كبح جماح النوايا والمؤامرات الإيرانية.
ومن العناصر الرئيسية الثالثة في مواجهة الاستراتيجية الإيرانية التي تستهدف الناقلات، العمل مع القطاع الخاص، بما في ذلك شركات الشحن الكبرى. كما ينبغي أن تكون المنظمة البحرية الدولية جزءاً من التحقيقات الشاملة بشأن كافة الهجمات، واتخاذ القرار ما إذا كان يمكن عزوها بصورة كاملة إلى الجانب الإيراني.
أخيراً، في حين أنه ينبغي على الولايات المتحدة العمل بجدية بغية التوصل إلى تسوية دبلوماسية للأزمة، فإنه يجب عليها الاعتراف بأن الملالي في إيران من الخصوم الشديدي المراس ويخضعون لتعاليم معتقداتهم الدينية، وإنهم لا يميلون إلى الحلول الوسط، كما لا يمكن شراؤهم من خلال الحوافز الاقتصادية من النوع الذي يسيل لعاب كيم جونغ أون، ما يعني التأهب للهجمات غير التقليدية، ليس فقط في الخليج العربي، وإنما في أي مكان في العالم يمكن أن تصل إليه شبكات الإرهاب الإيرانية الواسعة (وعلى رأسها «حزب الله» اللبناني).
ومع وصول درجات الحرارة في الخليج لحدها الأقصى، سوف يقضي قادة المدمرات من صغار الضباط أوقاتاً أطول في غرفة القيادة على متن السفن الحربية، لمشاهدة المزيد من الزوارق الحربية الإيرانية هناك. وينبغي أن نتمنى لهم التوفيق، كما نأمل أن يتمتعوا بالحس السليم والحكم الحصيف مع اقتراب شهر أغسطس (آب) من الأجواء.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»