ديفيد ليونهارت
TT

مذكرات الوزير الغاضب!

وزير الدفاع الأميركي السابق بوب غيتس، شخصية وطنية خدمت في جميع الإدارات المتعاقبة منذ الرئيس نيكسون - باستثناء إدارة كلينتون - وحتى الرئيس أوباما. شخصية معروفة بجديتها ونجاحها المهني واعتدالها وبعدها عن التجاذب الحزبي. لماذا إذن شن هجوما حادا في مذكراته الصادرة حديثا «الواجب: مذكرات وزير أثناء الحرب» انتقد فيه رئيسه الذي ما زال في البيت الأبيض؟ من النادر أن ينتقد وزير خرج للتو من منصبه رئيسا ما زال على رأس العمل. الديمقراطيون وأنصار أوباما يشنون عليه حربا هذه الأيام ويتهمونه بالخيانة. قد يكونون على حق في نقدهم، ولكن من المؤكد أن غيتس قرر نشر كتابه في هذا الوقت بالذات وهو مدرك كل هذه التهم التي سيواجهها. السبب كما يبدو أنه عدّ مثل هذه القضية صغيرة وثانوية في سبيل هدفه الأكبر، وهو كشف عيوب سياسة أوباما الخارجية الخاطئة في مناطق كثيرة حول العالم. ربما أراد من ذلك، مستخدما أسلوبا وصف بالمباشر والمنفعل العاطفي أحيانا، تحذير أوباما بغرض تصحيح مسار سياساته وتعديل طريقة إدارته، وإيقاظ الأميركيين على تراجع قوة بلادهم، وأن يسهم في فتح نقاش جماهيري وصحافي ضروري وعاجل، وبالتأكيد من أجل أن يبرئ نفسه من كل الأخطاء التي حصلت في السنوات الأخيرة وليحمي إرثه الذي سيخلد اسمه.
أبرز انتقادات الوزير حول رغبة الإدارة الأميركية في الانكفاء والخروج سريعا من أفغانستان والعراق - تبدو معروفة. يقول غيتس إن كل ما يريده الرئيس هو الخروج سريعا. هذه ليست شكواه وحده، بل أيضا شكوى وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون التي لم يتمكن فريقها من إقناع الرئيس بإبقاء عدد محدود من القوات حتى يجري توجيه رسالة صريحة لطالبان بأن أميركا باقية وعليها التفاوض، كما جاء في كتاب «الأمة غير الضرورية» للكاتب ولي نصر الذي انتقد بشدة أيضا سياسات أوباما الخارجية. في إحدى المناسبات، قدم فريق هيلاري لها ملفا عن رؤيتها للوضع في أفغانستان من المفترض أن تقدمه للرئيس، فطلبت منهم بيأس جعله ملونا أكثر حتى يجذب انتباهه. لكن كما هو معروف، التلوين والزركشة لم تنفعا. خرجت الوزيرة من دون أي إنجازات تذكر، لأنها كانت منزوعة القوى والتأثير، ونفس الشيء حدث مع غيتس. فهو ينتقد بشدة طريقة الرئيس المركزية وتأثير الفريق الصغير المحيط به. في مرات كثيرة، شعر بالاستياء الشديد من تعليقات مستشاريه، وأوضح أنه بذل في أحد الاجتماعات جهدا كبيرا حتى يخفي بركانا من الغضب كان يتفجر داخله بعدما وجه له أحد مستشاري الرئيس تعليقا مهينا.
من الواضح أيضا أن لغيتس مآخذ كبيرة على شخصية الرئيس أوباما. بحضور عدد من القادة العسكريين بينهم الجنرال الشهير بترايوس، قال أوباما مرة إنه يريد أن تسحب القوات في الموعد المحدد وأضاف مهددا: «لو شعرت بأنه يجري التلاعب بي»، ومن ثم صمت وترك الجملة مفتوحة. يصف غيتس هذا التصرف بغير اللائق الذي ينم عن عدم احترام لأعضاء في حكومته. من الطبيعي أن يكون الرئيس صارما وغاضبا، ولكن إبداء عدم ثقته بفريقه بشكل علني واستفزازي يكشف عن خلل في التعامل الشخصي وفي أسلوب الإدارة. في موضع آخر، يكتب أن الرئيس قال في اجتماع مغلق إنه لم يصدر أي قرارات تتعلق بإيران وإسرائيل، محذرا من يريد أن يكتب مذكراته من الحضور، وثم التفت إلى نائب الرئيس بايدن وقال له: «جو، كن شاهدي!». ومن ثم، يضيف الوزير المستاء: «شعرت بالإهانة لاشتباهه في أن أحدا منا قد يكتب فعلا عن قضية حساسة كهذه». صحيح أنه يمتدح أوباما في مرات كثيرة، خصوصا في قراره الشجاع بقتل زعيم «القاعدة»، لكنه يرى فيه صفات غير ملائمة تجعله يسيء في التعامل مع أعضاء من حكومته.
غيتس أيضا وجه انتقادات حادة لنائب الرئيس بايدن الذي قال عنه إنه كان مخطئا في قراراته المتعلقة بالسياسة الخارجية، ليس الآن فقط، ولكن على مر العقود الثلاثة الماضية. هو محق في ذلك. فبايدن عارض حرب تحرير الكويت الناجحة، واعترض على «الصحوات» التي أضعفت «القاعدة»، وناصر انسحاب القوات الأميركية من العراق، وعارض قتل بن لادن بحجة أنها عملية غير مضمونة. لأجل أن يظهر الرئيس أوباما ثقته واعتزازه بنائبه، التقطت لهما صورة في غداء علني. من غير المعروف إذا كان ظهورهما معا سيعني أي شيء، خصوصا أن غيتس خصص أغلب كتابه لنقد الرئيس. ولكن، ربما يكشف ذلك عن نية أوباما دعم نائبه، وليس هيلاري، في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولكن، من المؤكد أن الوزير خرج عن الخط عندما كشف عن محادثة جرت بين الرئيس وهيلاري، قالا فيها إن معارضتهما حركة «الصحوات» كانت بغرض سياسي. في الصراع السياسي والحرب الانتخابية الأميركية، يظهر الكثير من المواقف والتكتيكات المؤقتة، ومن غير الضروري أن يكون من أطلقها شخصية غير وطنية أو غير أخلاقية. ربما الشيء المفرح في الكتاب، هو تأكيد غيتس قوة وذكاء وصلابة وتمرس هيلاري كلينتون التي يبدو أنها ستصلح الكثير من الفوضى الحاصلة في حال انتخابها. لذا، لا خوف من الديمقراطيين حتى لو عادوا مجددا للبيت الأبيض.
يجوز وصف كتاب غيتس بأنه الصيحة التحذيرية الأخيرة للرئيس أوباما. تعامل الإدارة الدفاعي معها لحد الآن سيجعل منها مجرد صيحة في البرية!
[email protected]