وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

حتى وارن بافيت يؤمن بالنفط الصخري

يدور حالياً صراع قانوني شرس بين كارل أيكان، أحد ملاك شركة «أوكسيدنتال للبترول» وبين مجلس إدارة الشركة حول صفقة شرائها الضخمة لشركة «أنداركو» أحد كبار منتجي النفط الصخري في حوض البريمان في تكساس والتي بلغت 56 مليار دولار، أي بزيادة 6 مليارات دولار عن المبلغ الذي قدمته شركة «شيفرون» لشراء «أنداركو».
ويتمحور هجوم أيكان البالغ من العمر 83 عاماً على مجلس الإدارة أنه لم يحمِ حقوق الملاك في هذه الصفقة، وتم تمويلها بطريقة تضر بهم بعد أن حصلت «أوكسيدنتال» على 10 مليارات دولار من شركة «بيركشير هاثواي» التي يترأسها البليونير وارن بافيت، في مقابل 100 ألف سهم من الأسهم المفضلة والتي ستدر سنوياً 8 في المائة لصالح بافيت وشركته. وقدر أيكان أن هذا الأمر يعني أن «أوكسيدنتال» ستدفع لبافيت 800 مليون دولار سنوياً من حقوق المساهمين.
ويقول أيكان إن هذا عائد لضعف مهارات رئيسة شركة «أوكسيدنتال» فيكي هولب التي انكشف ضعفها أمام بافيت في المفاوضات على الحصة. إن بافيت الذي أمضى عمره في الاستثمار في علامات تجارية كبرى مثل كوكاكولا وآبل وكرافت هاينز وأميركان كسبريس، رأى قمة كبيرة في الاستثمار في النفط، وبحسب ما ذكرته شبكة «سي إن بي سي» فقد كان بافيت على استعداد لدفع 20 مليار دولار لتمويل صفقة استحواذ «أوكسيدنتال» على «أنداركو».
وقال بافيت إن هذا التمويل الذي قدمه هو مجرد «رهان على أسعار النفط»، لكن أيكان يرى أن الاستحواذ هو مجرد «رهان على أسعار النفط»، لكنه لا يوجد به قيمة كبيرة وحقيقية للمساهمين، خصوصاً إذا ما هبطت أسعار النفط تحت 45 دولاراً. ولهذا طالب أيكان في دعوته القانونية أن يتم مشاركة كل الأوراق الخاصة بالصفقة مع الملاك.
إن مجلس إدارة «أوكسيدنتال» انفرد بالقرار ولم يطرحه لتصويت المساهمين عليه، وهذا ما أزعج أيكان ومجموعة أخرى غاضبة معه عبرت عن استيائها. ولم يشفع لمجلس الإدارة اتفاقهم لبيع مشاريع «أنداركو» في أفريقيا إلى شركة «توتال» بقيمة 8 مليارات دولار، حتى وإن كانت هذه الصفقة ستقلص تكاليف تمويل شراء «أنداركو».
إن «شيفرون» و«أوكسيدنتال» كليهما يسعى لزيادة إنتاجه في حوض البريمان الذي يعد منطقة النمو الأولى في الولايات المتحدة والذي أصبح الآن الحقل الأكبر والأهم عالمياً خلف حقل الغوار في المملكة العربية السعودية الذي يعد أكبر حقل على اليابسة في العالم.
الغريب أن شخصاً مثل وارن بافيت مؤمن بالنفط الصخري وأهميته، في وقت يعزف فيه الكثير من المستثمرين عن الدخول في مثل هذه الاستثمارات. وكان هذا الأمر واضحاً وجلياً في اجتماعات الجمعية العمومية لملاك شركة «بريتش بتروليوم» (بي بي) الأخير والذي أجبر فيه الملاك الشركة على تغيير توجهها المستقبلي والعمل على تقليص الانبعاثات الكربونية من خلال إخضاع خطتها التجارية لاتفاقية باريس للمناخ والمطالبة بالمزيد من البيانات والافصاح حول انبعاثات الشركة.
بالطبع، لا تزال هناك شركات قوية مثل شركة «إكسون موبيل» صامدة أمام هذا التوجه الجديد لدى المستثمرين العالميين الأصدقاء للبيئة والذين يعرفون باسم تحالف (كلايمت أكشن 100+)، الذي يمثل مجموعة تدير أصولاً بنحو 33 مليار دولار. ولم يستطع ملاك «إكسون موبيل» قبل أيام فعل الشيء نفسه الذي فعله ملاك شركة «بريتيش بتروليوم» بعد دفاع مجلس الإدارة ورئيسها التنفيذي عن موقف وأعمال الشركة.
وكان الصندوق الذي يدير أموال كنيسة إنجلترا هو الأكثر نشاطاً في الاجتماعات، وطالب بالمزيد من الإفصاح. لكن رئيس «شيفرون» دارن وود أوضح، أن الشركة توفر الطاقة لجميع المحتاجين إليها في العالم، وتعمل على تقليل انبعاثاتها الناتجة من أعمالها وأنشطتها.
لكن ما يجمع ملاك «إكسون موبيل» و«بريتيش بتروليوم» وغيرهم ليس هو حب البيئة والحفاظ على كوكب الأرض، لكن خوفهم من مستقبل الطلب على النفط والذي يرون أنه سيتراجع مع تطبيق المزيد من السياسات المناخية على مستوى العالم، ومن هنا كان يجب على الشركات الاستعداد لهذا الأمر من الآن حتى لا يفقد المستثمرون أموالهم.
هذا التوجه لدى الأوروبيين لا يعادله التوجه نفسه لدى الشركات الأميركية مهما حاول المستثمرون؛ لأن الولايات المتحدة تعيش الآن طفرة بترولية غير مسبوقة بفضل النفط الصخري؛ ولهذا ليس مفاجئاً أن نرى وارن بافيت يؤمن به ويضيفه إلى محفظة استثماراته المتنوعة.
ما يحتاج إليه العالم هو ليس عالماً خالياً من الانبعاثات، لكن عالم يتمتع فيه الجميع بمصادر طاقة رخيصة ومعقولة وسهلة. سيكون الأمر أفضل لو أننا فعلنا هذا من دون انبعاثات، لكن الواقع اليوم يقول إن هناك طلباً وهناك مليارَي شخص يعانون من فقر الطاقة ولا يجدون أي مصدر لها. وهنا نسأل هل الأولوية هي رفاهية الإنسان أم الحفاظ على كوكب الأرض؟... بالطبع، الاثنان مهمان، ولا يمكن التنازل عنهما، لكن هناك أولوية حالياً على حساب أخرى فما هي يا ترى؟!