حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

قصة جهيمان وتفاصيل أخرى!

لأول مرة يتطرق السعوديون من خلال عمل درامي كبير لموضوع احتلال الحرم المكي الشريف من قبل العصابة التكفيرية الإرهابية بقيادة جهيمان، وهي الحادثة الأهم في تاريخ المسلمين المعاصر، إذ إنها تسببت في عدم إقامة الصلوات في بيت الله الحرام لمدة سبعة عشر يوماً.
تسمر المشاهدون أمام شاشة التلفاز طوال ثلاث حلقات متتالية من مسلسل «العاصوف» الذي قدم تفاصيل تروى للمرة الأولى عن هذا الحادث الإرهابي المشؤوم. ومعروف أن هناك جيلاً كاملاً في السعودية لم يسمع ولم يعلم عن هذه الحادثة. لقد غابت وغيبت من المناهج الدراسية بشكل غريب، ومنعت الكتابة عنها درامياً، ولكن هناك جيلاً لا يزال يتذكر هذه الحادثة الملعونة، وأنا واحد من هذا الجيل، فقد كنت في سنوات المراهقة الأولى، أتابع بذهول تداعيات الخبر العظيم. كان والدي يغطي الخبر صحافياً ويسخر صحيفته لمتابعة الخبر، وكرجل أعمال حيث ورّد مصابيح كاشفة لإضاءة الحرم بحكم عمله وكان على تواصل مع وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، الذي أمر بمنحه بدلة عسكرية لتسهيل دخوله للمواقع المختلفة، بالإضافة إلى قناع واقٍ من الغاز، وكتب سلسلة مقالات مهمة جداً تصف المشهد بعنوان «كنت هناك أسمع وأرى»، وهذا المشهد تكرر كثيراً من المواطنين في مكة، حيث قدموا أعظم صور المواطنة الصادقة والولاء المطلق للقيادة، وسخّروا بيوتهم وأعمالهم وسياراتهم وأموالهم تحت تصرف الدولة، ضاربين أروع الأمثلة في الفداء إلى درجة أنه بعد ذلك تم تكريم المواطنين في مكة بشكل رمزي في حفل خطابي عام لم يطلب الأهالي في مكة إلا جامعة لهم، فكانت ولادة جامعة أم القرى المعروفة.
قدمت هذه الحادثة المشؤومة نماذج مختلفة من الحراك والتفاعل الوطني مع القيادة، ولم يسمح بانتشار الفتنة والفوضى، وقد قتلت وقضي عليها في موقعها. هناك تفاصيل وقصص عظيمة تستحق أن تروى في أعمال درامية تظهر بالكامل الجوانب الملحمية والبطولية والتلاحم الرائع بين المواطن والدولة بشكل صادق وتلقائي وعفوي وبديع.
الإرهابي التكفيري جهيمان دخل التاريخ الأسود ودفعت السعودية ثمناً غالياً بعده، لأنه بعد إعدامه تبين للناس أن فكره انتشر كالنار في الهشيم، وفرخت المشاهد عشرات «جهيمان» بأشكال ومواقع مختلفة، حيث جاءت «رؤية 2030» لتبدأ الإصلاح الجذري لاستئصال هذا الفكر المريض.
الدراما السعودية خطت خطوة مهمة بل هي قفزة كبرى لتفتح ملف حادثة احتلال الحرم و«جهيمان» الذي بات اسمه لوحده رمزاً للإرهاب والتكفير.
هناك قصص كبيرة أخرى نتمنى أن نفتح المجال لطرحها درامياً بكامل حذافيرها وتفاصيلها كما هي من دون رتوش أو تغيير، فالجيل الجديد مطلوب منه أن يعرف الطريق الوعرة التي سلكناها جميعاً لنصل إلى موقعنا اليوم... رحلة كانت مليئة بالدراما وتبقى العبرة بالخواتيم. وكل دراما وأنتم بخير.